يقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم على مفترق طرق حاسم بعد السقوط المدوي لحكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو في تصويت بحجب الثقة، إذ تضعه الأزمة السياسية والاقتصادية أمام خيارات محدودة وصعبة للغاية، بين الدعوة لانتخابات مبكرة أو مواجهة مطالب متزايدة بالاستقالة.
شهد البرلمان الفرنسي، أمس الاثنين، أزمة جديدة بسقوط حكومة بايرو، بعد أن صوّت 364 نائبًا لصالح حجب الثقة، مقابل 194 نائبًا فقط أيدوا الحكومة، وفقًا لصحيفة "لوباريزيان"، ما وضع ماكرون في مواجهة تحدٍ وجودي حقيقي، خاصة مع حاجة فرنسا الماسة لتمرير تخفيضات بعشرات المليارات من الميزانية العامة لإنقاذ ثاني أكبر اقتصاد أوروبي من أزمة ديون متفاقمة تهدد استقرار الاتحاد الأوروبي برمته.
انتقادات لماكرون
تكاتفت جميع أطياف المعارضة الفرنسية لتحميل ماكرون شخصيًا المسؤولية الكاملة عن الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد، إذ وجّه بوريس فالو، الزعيم البرلماني للحزب الاشتراكي، اتهامًا مباشرًا له، قائلًا: "هناك شخص واحد مسؤول عن الأزمة والفشل وعدم الاستقرار، إنه رئيس الجمهورية".
واستخدم ستيفان بو من الحزب الشيوعي استعارة سينمائية لوصف الأزمة، مشبهًا إياها بمشاهد التضحية في الأفلام الحربية، واصفًا بايرو بأنه "رئيس الوزراء الرابع الذي يسقط لإنقاذ الرئيس ماكرون".
الأخطر من ذلك، أن ماتيلد بانو، الزعيمة البرلمانية لحزب "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف، رفعت سقف المطالب عاليًا بقولها: "الرئيس لا يريد تغيير سياساته؟.. إذن سيتعين علينا تغيير الرئيس".
ضغوط اجتماعية
تشير استطلاعات الرأي، حسب صحيفة "بوليتيكو"، إلى أن شعبية ماكرون انهارت لتصل أدنى مستوياتها على الإطلاق، متجاوزة حتى أحلك فترات احتجاجات "السترات الصفراء" في 2018-2019 التي شكلت إحدى أخطر الأزمات في تاريخ رئاسته.
يأتي هذا التراجع الحاد في وقت تلوح فيه تهديدات بإضراب وطني شامل غدًا الأربعاء، واحتجاجات عمالية كبرى تنظمها النقابات في 18 سبتمبر، ما يضع الرئيس في مواجهة جبهات متعددة.
الانتخابات المبكرة
مع تضييق الخناق عليه من جميع الجهات، يبدو أن خيار الانتخابات المبكرة يفرض نفسه بقوة، إذ لم تتردد مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف الذي يتصدر استطلاعات الرأي، في الضغط على هذا الخيار، قائلة: "حل البرلمان لن يكون خيارًا بل التزام".
هذا المسار محفوف بالمخاطر، إذ قد تؤدي الانتخابات المبكرة إلى تعميق الانقسامات السياسية دون حل الأزمة الجوهرية.
محاولة يائسة
في محاولة أخيرة لتجنب السيناريوهات الكارثية، يراهن ماكرون على تشكيل تحالف هش بين اليسار المعتدل والوسطيين وحزب "الجمهوريين" المحافظ لتشكيل حكومة أقلية، إذ أعلن مكتبه عن تعيين رئيس وزراء سادس خلال "الأيام القليلة القادمة"، لكن الاشتراكيين يضغطون من أجل تسمية رئيس وزراء من حزبهم، حيث دعا فالو ماكرون إلى "أداء واجبه" وتعيين رئيس وزراء من صفوف الاشتراكيين، مؤكدًا استعداد حزبه لتولي المسؤولية.
هذا المسار يواجه عقبات جوهرية أيضًا، إذ حذر لوران ووكييه، الزعيم البرلماني لحزب "الجمهوريين" اليميني، من رفض حزبه دعم أي حكومة اشتراكية "مستوحاة بعمق من الأحزاب اليسارية المتطرفة الأخرى" ضمن تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة".
كما أن التصويت على بايرو كشف انقسامات حتى داخل الأحزاب الوسطية، إذ انقسم نواب "الجمهوريين" بين 27 صوتًا مؤيدًا و13 صوتًا معارضًا رغم دعوات قيادة الحزب.
تحدي البقاء
في خطابه الأخير أمام الجمعية الوطنية، حذّر "بايرو" النواب من خطورة الوضع المالي، إذ أكد أن فرنسا تعاني من مستوى ديون "يهدد الحياة"، مضيفًا: "لديكم القدرة على إسقاط الحكومة ولكن ليس على محو الواقع".
وتشير صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، إلى أن هذا التحذير يضع ماكرون أمام معادلة صعبة، وهي إما المضي قدمًا في محاولة يائسة لتشكيل حكومة جديدة قد تواجه المصير نفسه، أو الاستسلام للضغوط والدعوة لانتخابات مبكرة قد تنهي عهده السياسي، أو حتى التفكير في الاستقالة كما تطالب أصوات متزايدة في المعارضة.