إذا كان الخاسر الأكبر في التعديل الوزاري الأول الذي أجراه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر هو نائبته أنجيلا راينر، فإن الفائز الأكبر كان فتاه الذهبي دارين جونز، البالغ من العمر 38 عامًا، والذي ليس من بين وزراء حزب العمال الأكثر جاذبية، لكنه "اكتسب سمعة طيبة بين زملائه بسبب كفاءته الهادئة وطموحه الفولاذي"، حسب تقييم صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه مع إطلاق ستارمر "مرحلة جديدة قوية" من زعامته، تمت ترقية نائب وزيرة الخزانة راشيل ريفز كمستشار لدوقية لانكستر، ومنحه دورًا داعمًا لرئيس الوزراء في داونينج ستريت.
وستكون مهمة جونز، الذي سوف يشغل منصب "السكرتير الرئيسي لرئيس الوزراء"، وهو لقب جديد صُمم لإظهار مدى أهميته، هي "الاتفاق على الحلول"، وفقًا لما نقله التقرير عن مصدر في الحزب.
ووصف أحد النواب الذين عملوا مع جونز عن كثب بأنه "ليس من أولئك الذين يخلعون ربطة عنقهم في نهاية يوم العمل ويهدأون. إنه مرتاح لكونه مهووسًا بالتكنولوجيا".
ويبدو أن هؤلاء المهووسين بالتكنولوجيا في وايت هول (مركز السياسة البريطانية) هم بالضبط من كان يبحث عنهم ستارمر من أجل ترقية حكومته.
هكذا، يقع مكتب جونز الجديد في مجلس الوزراء مباشرة بجوار "داونينج ستريت"، مع وجود باب متصل بمقر رئاسة الوزراء (رقم 10) ليصبح تفاعله مع ستارمر مباشرًا.
الطفل الفقير
تشير "ذا تليجراف" إلى أن رئاسة الوزراء البريطانية أعربت عن قلقها إزاء فشل الوزراء في تنفيذ ما يكفي من خططهم السياسية خلال عامهم الأول في السلطة، وأن الافتقار إلى القيادة في الإدارات الحكومية هو السبب.
كما يخشى الاستراتيجيون أن يكون صعود حركة "إصلاح المملكة المتحدة"، ورسالتها القائلة بأن "بريطانيا مُنهارة"، قد غذّاه تقاعس حزب العمال بشأن قوارب المهاجرين الصغيرة ومشكلات الاقتصاد.
وعلى الرغم من أن عمل مكتب رئيس الوزراء يوصف رسميًا، بشكل غير مباشر، بأنه "ضمان لسير عمل الحكومة بشكل فعّال"، فإنه يعمل في الواقع كمركز لتبادل المعلومات لحل الخلافات بين الوزارات المختلفة، والتعامل مع القضايا الشائكة التي حوّلها الوزراء إلى ستارمر.
وفي حديثه على إذاعة "بي بي سي 4" صباح أمس السبت، قال "جونز" إنه سيعمل على إيجاد طريقة "لدفع آلة الحكومة من المركز للتأكد من أنها تحقق بالفعل أولويات الجمهور".
يعترف أولئك الذين عرفوا جونز لسنوات عديدة، بأنهم لا يعرفون الكثير عن حياته الخاصة، ويصفونه بأنه "متكتم بشدة" حول حياته المنزلية مع زوجته، مستشارة صافي الانبعاثات الصفري لوسي سيمونز جونز، وأطفالهما الثلاثة.
المعروف أن "جونز" ولد عام 1986، ونشأ في فقر في منطقة "لورانس ويستون" السكنية في شمال غرب "بريستول"، ومثل العديد من نواب حزب العمال من مجموعة ستارمر، عمل محاميًا قبل أن يترشح للبرلمان ضد السير جيفري كوكس في عام 2010 دون جدوى.
وبعد فترات قضاها في الترويج لبقاء بلاده الاتحاد الأوروبي، خلال استفتاء على الانفصال، انتُخب جونز عضوًا في البرلمان البريطاني عن مدينته بريستول، وسرعان ما اكتسب سمعة باعتباره سياسيًا ذكيًا وطموحًا يتمتع بنظرة ثاقبة للتفاصيل.
ومنذ عام 2020، تولى جونز قيادة لجنة الأعمال البرلمانية المختارة وخلق لإجراءاتها الجافة شعبية لدى عموم البريطانيين، وفقًا لبرلماني آخر في ذلك الوقت.
ولفتت الصحيفة إلى أنه "كان حريصًا جدًا على أن يكون العمل الذي يقوم به البرلمان شيئًا مثيرًا للاهتمام وذو صلة بالجمهور، وهو ما لا يحدث دائمًا في اللجان المختارة".
وفي السياق ذاته، قالت مصادر بحزب العمال إنه كان دائمًا حريصًا على الترقية إلى مقاعد القيادة في الحزب، التي جاءت في سبتمبر 2023 عندما تم تعيينه أمينًا رئيسيًا لوزارة الخزانة في حكومة الظل، ليصير الرجل الثاني في قيادة ريفز.
وبعد انتخابات العام الماضي، انتقل إلى الدور نفسه في الحكومة، وتم تكليفه بالإشراف على مفاوضات الميزانية ومراجعة الإنفاق مع زملائه، الذين سيتم تخفيض مخصصات معظمهم.
رجل فظ
على الرغم من أن "جونز" قد يكون جيدًا في تفاصيل السياسة، فإنه ليس الوزير الأكثر جاذبية، وقد يواجه صعوبة في جذب انتباه نواب حزب العمال، إذ نقلت "ذا تليجراف" عن مصدر في الحزب: "يقول الناس إنه فظ للغاية مع زملائه، وهو ما قد يعني أنه فعّال في أداء مهام الحكومة، لكن هذا يعني أنه ربما ليس الشخص الأفضل للتعامل مع حزب العمال البرلماني".
وقال نائب آخر إنهم اعتبروه "غريب الأطوار اجتماعيًا" لكنه "رجل طيب" يفصل بين عمله وحياته الشخصية، على الرغم من أنه معروف بأنه يعزف على الساكسفون في وقت فراغه.
كمثال، اضطر "جونز" للاعتذار في مارس الماضي، بعد أن شبّه تخفيضات الإعانات المخصصة لذوي الإعاقة بـ"طفل يُخفّض مصروفه"، واعترفت ريفز في مقابلة إذاعية لاحقة بأن مثال تلميذها "ليس التشبيه الصحيح".
مع هذا، فإن الدور الذي يلعبه جونز بعد التعديل الوزاري يجعله واحدًا من أقوى السياسيين في البلاد، دون أن يحظى بالشهرة العامة التي تتمتع بها الوزارات الأخرى.
ويمثل تعيينه نهجًا جديدًا للاقتصاد من جانب ستارمر في الفترة التي سبقت الميزانية، مع توزيع المسؤوليات الاقتصادية بين الوزراء بدلًا من تركيزها في وزارة الخزانة.
وتشير الصحيفة إلى أن "هذا يشير إلى حجم الذعر في داونينج ستريت بشأن ميزانية هذا العام، لا سيما وأن ريفز تبدو على استعداد لرفع الضرائب وخفض تصنيفات شعبيتها بشكل أكبر.