ندرك أن الذاكرة أقوى من التهجير، وأن الحكاية لم تنتهِ بعد 7 عقود من النكبة، من كفور الضفة إلى المنافي البعيدة، ومن رام الله إلى غزة، يظل الفلسطينيون عالقين بين ذاكرة موجوعة وواقعٍ يومي يفرضه نظام فصل عنصري في الضفة وعمليات إبادة مستمرة في غزة، بينما يواصل العالم الحديث عن أمر آخر: "حل الدولتين"، كأنه عصا سحرية، متجاهلًا أن ما يحدث على الأرض هو إبادة وضم واحتلال.
نظام يفرض كل شيء
بحسب تقرير نشرته مجلة "+972" العبرية، فإن الإسرائيليين يحددون مصير الفلسطينيين في المستوطنات، من حرية التنقل والعمل، إلى كمية المياه المتاحة لهم، إلى القوانين التي تُطبَّق عليهم أو تُستثنيهم، فالفلسطينيون في الضفة وغزة جميعًا، وفق المجلة، يعيشون تحت منظومة لا ترى فيهم سوى عقبة أمام مشروع استعماري توسعي.
هذا الواقع، تقول "+972"، لم يعُد بالإمكان إنكاره، خصوصًا في ظل الجرائم المرتكبة في غزة، حيث تجاوز عدد الضحايا 60 ألفًا منذ بدء الحرب الأخيرة.
الاعتراف بدولة فلسطين
وفي مايو 2024، اتخذت النرويج وإسبانيا وأيرلندا خطوة بارزة بالاعتراف بدولة فلسطين، وسرعان ما تبعتها فرنسا والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا والبرتغال ومالطا، لكن التقرير يصف هذه الاعترافات بأنها "إيماءات رمزية" لا توقف الإبادة ولا تحد من الاستيطان.
فبينما يواصل الكنيست الإسرائيلي تشريع ضم الضفة الغربية ويعزز خطط الاستيطان، بما فيها مشروع الكتلة الاستيطانية E1 الذي يهدد التواصل الجغرافي لأي دولة فلسطينية مستقبلية، تُصر بعض الدول الأوروبية على التمسك بـ"حل الدولتين"، رغم أن إسرائيل نفسها لم تُبدِ أي استعداد لقبوله.
وترى المجلة أن الدعوة المستمرة إلى "حل الدولتين" بعد 77 عامًا من النكبة ليست سوى إعادة إنتاج لسياسات استعمارية؛ فكما فرضت الأمم المتحدة خطة التقسيم عام 1947 دون موافقة الفلسطينيين، تأتي موجة الاعترافات الأوروبية الجديدة بنفس العقلية، متجاهلة رأي الشعب الذي سيتأثر مباشرة بها.
وتصف المجلة التناقض الفرنسي بأنه صارخ، بدءًا من التهديد بالاعتراف بفلسطين مع الإصرار على نزع سلاحها، بينما تستمر باريس في تزويد إسرائيل بالأسلحة.
دولة الفصل العنصري
بحسب التقرير، هناك اليوم "دولة واحدة بالفعل"، هي دولة الفصل العنصري التي تُقصي الفلسطينيين وتمنح السيادة والحقوق حصرًا للإسرائيليين اليهود، لذا فأي حديث عن دولتين في ظل هذا الواقع هو مجرد ذريعة لتأجيل العدالة والسماح بتواصل الجرائم.
وتساءلت المجلة: هل يُعقل أن يُمنح الضحايا 23% فقط من أرض أجدادهم تحت وهم الدولة المستقلة، بينما يواصل الاحتلال ضمّ الأرض وتوسيع المستوطنات؟
وتؤكد "+972" أن الخطوة الأولى نحو العدالة ليست الاعتراف الرمزي بدولة فلسطينية، بل الاعتراف الرسمي بأن إسرائيل تدير نظام فصل عنصري، وهو جريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي.
وتُعرّف المحكمة الجنائية الدولية الفصل العنصري بوضوح، كما تلزم اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1973 الدول بمكافحة هذه الجريمة. وقد أصدرت محكمة العدل الدولية في عام 2024 رأيًا استشاريًا اعتبر الاحتلال والضمّ الإسرائيلي انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ودعت إلى التعويض.
وبالتالي، فإن أي اعتراف رسمي بالفصل العنصري الإسرائيلي قد يفتح الباب لعقوبات دولية، وسحب استثمارات، ومقاطعات اقتصادية، شبيهة بما حدث في جنوب أفريقيا سابقًا.
فلسطينيون "بلا جنسية"
اليوم، يُصنَّف الفلسطينيون في معظم السجلات الدولية كـ"بلا جنسية"، أو كـ"مواطنين" في دولة فلسطين اسمية دون سلطة فعلية لحمايتهم. وتقول المجلة إن الاعتراف بإسرائيل كنظام فصل عنصري، سيُعيد تصوير الفلسطينيين كضحايا جريمة ضد الإنسانية، ما يُجبر المجتمع الدولي على حمايتهم قانونيًا وسياسيًا.