الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من "جبل البابا".. إسرائيل تعلن انتهاء حلم الدولة الفلسطينية

  • مشاركة :
post-title
قرية جبل البابا

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

على قمة تل صخري يطل على القدس، حيث قرية جبل البابا البدوية، في هذه القرية لا يتعلق الأمر فقط بمصير 80 عائلة فلسطينية أو رعي 3000 رأس ماشية، بل بمصير حلم أمة كاملة في إقامة دولة فلسطينية.

لكن تلك البقعة الصغيرة الواقعة بين شمال الضفة الغربية وجنوبها تحولت إلى بوصلة سياسية، يقول خبراء إنها قد تحدد ما إذا كانت الدولة الفلسطينية ستولد أم أن المشروع قد دُفن إلى الأبد، وفي قرار إسرائيلي أخير ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية في مشروع يعرف باسم E1، يبدو أن الحلم يتراجع نحو هاوية لا عودة منها.

جبل البابا

جبل البابا ليس مجرد تجمع بدوي تقليدي؛ إنه موقع جغرافي حساس يقع بالقرب من المركز الجغرافي للضفة الغربية المحتلة، وبحسب لجنة القرية، فإن التل يتوسط فعليًا ما يمكن أن يكون العمود الفقري لدولة فلسطينية مستقبلية، إذ يصل بين شمال الضفة وجنوبها.

لكن هذه الرمزية الجغرافية تتحول إلى نقمة، إذ أعلنت الحكومة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، على لسان وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، المصادقة النهائية على خطة بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في محيط مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس.

وهذه الخطة، وفق خبراء، ستقسم الضفة الغربية إلى نصفين، وتجعل أي تواصل جغرافي فلسطيني شبه مستحيل، فيقول عطا الله مزارعة، رئيس لجنة القرية، وفق شبكة "سي إن إن": "يريد الوزير مصادرة هذه المنطقة لمنع قيام دولة فلسطينية، لقد أصبح مصيرنا مجهولًا، ليس مصيريًا فحسب، بل مصير كل طفل وكل امرأة وكل شخص، أنا خائف".

وبحسب محافظة القدس التابعة للسلطة الفلسطينية، فإن ما يقرب من 7000 فلسطيني يعيشون في 22 تجمعًا بدويًا باتوا يواجهون خطر التهجير القسري بسبب خطة E1.

"معاليه أدوميم"

في جبل البابا، تعيش 80 عائلة بدوية، أي نحو 450 نسمة، يعتمدون على تربية الماشية التي يصل عددها إلى نحو 3000 رأس، هذه الماشية ليست فقط مصدر دخلهم، بل تمثل عمود هويتهم البدوية.

وتقترب مستوطنة "معاليه أدوميم" الإسرائيلية الضخمة من حدود قرية جبل البابا، فمنذ أن سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة عام 1967، أخذت في بناء المستوطنات اليهودية على مساحات واسعة.

وتعتبر الأمم المتحدة ومعظم المجتمع الدولي هذه المستوطنات غير شرعية، وترى فيها العقبة الكبرى أمام إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا، بينما تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن نحو 700 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون اليوم بين نحو 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية والقدس، وفي كثير من الحالات، يتم بناء المستوطنات فوق أراضٍ فلسطينية خاصة.

سموتريتش يقتل الفكرة

لطالما عبّر وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش عن رغبته في القضاء على أي احتمال لقيام دولة فلسطينية، ففي خطاباته وتصريحاته، أكد مرارًا أن التوسع الاستيطاني هو السبيل لفرض واقع جديد على الأرض.

وفي تسجيل صوتي مسرب في يونيو 2024، قال سموتريتش: "السبيل لمنع قيام دولة فلسطينية هو تطوير المستوطنات اليهودية، الهدف هو تغيير جوهر النظام لسنوات طويلة".

كما دعا بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات إلى ضم المستوطنات في الضفة الغربية، واصفاً فوزه بأنه "فرصة مهمة لإسرائيل"، وأوضح أن السبيل الوحيد لإزالة "تهديد" الدولة الفلسطينية هو فرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية، التي يطلق عليها في الخطاب الإسرائيلي التوراتي اسم "يهودا والسامرة".

العيزرية تحت الضغط

إلى الجنوب مباشرة من جبل البابا، تقع بلدة العيزرية الفلسطينية، التي تعرف بازدحام شوارعها وحيويتها التجارية، لكن هذه البلدة تواجه بدورها تهديدات مباشرة من خطة E1، فيقول محمد مطر، مسؤول في البلدية، وفق شبكة "سي إن إن": "بعض البدو الذين سيهجرون من جبل البابا سيجبرون على الانتقال إلى العيزرية، لكنهم سيجدون أنفسهم في عالم مختلف، لا أرض لرعي الماشية ولا أسلوب حياة مألوف".

تخطط إسرائيل لبناء طريق جديد يخترق العيزرية ويُنشئ نظام طرق منفصلا للإسرائيليين والفلسطينيين، وقد أصدرت السلطات الإسرائيلية بالفعل 112 أمر هدم لمحال تجارية في البلدة.

واقع تجاوز المبادرات

وحسب "سي إن إن"، يعلّق بعض الفلسطينيين آمالاً واهية على أن يتدخل ترامب مجددًا للجم التوسع الاستيطاني، لكن معظمهم يدرك أن الحقائق على الأرض تجاوزت أي مبادرات سياسية.

من الجانب الإسرائيلي، تتابع منظمات سلام تطورات مشروع E1 بقلق بالغ، إذ أكدت هاجيت عوفران، الناشطة في حركة "السلام الآن"، أن الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة صرف الأنظار عن الضفة الغربية، لكن الواقع هناك لا يقل خطورة.

تقول عوفران: "بناء الطريق الاستيطاني سيغلق فعليًا مركز الضفة الغربية أمام الفلسطينيين، وستهدم منازلهم وسيعزلون عن أراضيهم، لن يكون هناك اقتصاد قابل للحياة ولا دولة فلسطينية ممكنة".

انتهاء حلم الدولة

بالنسبة لخبراء فلسطينيين، فإن مشروع E1 ليس نهاية الحلم الفلسطيني بقدر ما هو إعلان رسمي عن نهايته، فيقول خليل التفكجي، وهو رسام خرائط فلسطيني يتابع ملف الاستيطان منذ عام 1983: "إذا نظرت إلى المستوطنات، التي أصبحت في كل مكان، فمن المستحيل بناء دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي".

ويضيف أن الحكومة الإسرائيلية استغلت هجوم 7 أكتوبر وصعود ترامب لتنفيذ ما كان مخططًا منذ سنوات طويلة.