في الوقت الذي تعجز فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى الآن عن إنهاء الحرب الدامية في غزة، تُسجل واشنطن تقدمًا دبلوماسيًا بطيئًا، لكن ثابتًا في ملفين لا يقلان تعقيدًا وهما سوريا ولبنان.
ورغم أن هذه التحركات لا تحظى بزخم إعلامي في واشنطن، فإنها قد تفضي إلى تحولات تاريخية في الشرق الأوسط، خصوصًا أنها تأتي في إطار سلسلة من التفاهمات منخفضة الظهور، شملت سابقًا رعاية اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان في العاصمة الأمريكية، بحسب موقع "أكسيوس" الأمريكي.
وفي السياق ذاته؛ أكد مسؤول أمريكي بارز أن عام 2025 يمثل فرصة استثنائية لـ"ترامب" لتعزيز صورته كصانع سلام، مشيرًا إلى أن العديد من القادة الإقليميين ينظرون إلى ترامب باعتباره "قوة عظمى" يجب استرضاؤها، لكن الوقت ليس في صالح واشنطن، إذ إن نفوذها يتراجع مع مرور كل يوم.
وتمثلت أولى الخطوات الأمريكية في دعم قوي لزعيمين جديدين، هما أحمد الشراع، الذي تولى الرئاسة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، والرئيس اللبناني جوزيف عون، القائد السابق للجيش، الذي صعد إلى الحكم عقب هزيمة "حزب الله" أمام إسرائيل، على حد قول الموقع الأمريكي.
وفاجأ ترامب الجميع، مايو الماضي، بإعلان رفع العقوبات عن دمشق، قبل أن يعين صديقه المقرب منذ 40 عامًا، توماس باراك، مبعوثًا خاصًا إلى سوريا، مكلفًا بملف إعادة العلاقات بين واشنطن ودمشق، واستقرار الوضع السوري، والتحضير لاحتمال اتفاق سلام سوري إسرائيلي.
وواجهت الجهود الأمريكية اختبارًا حرجًا، يوليو الماضي، عندما شنت إسرائيل غارات على دمشق، وتبادلت القوات الإسرائيلية والسورية الاشتباكات قرب السويداء، لكن توماس باراك ووزير الخارجية ماركو روبيو، نجحا في احتواء الموقف عبر الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتراجع، ما أفضى إلى وقف هش لإطلاق النار.
واستضاف "باراك" اجتماعًا ثلاثيًا في باريس جمع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، لبحث تهدئة الوضع في الجنوب السوري، إضافة إلى مسار أعمق للسلام بين البلدين، في محادثات تُعد الأولى من نوعها منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 2000.
كما ناقشت المباحثات الأخيرة إنشاء ممر إنساني إلى السويداء لإيصال مساعدات إسرائيلية إلى المجتمع الدرزي، إضافة إلى بحث ترتيبات أمنية جديدة قد تحل محل اتفاق فصل القوات لعام 1974، في خطوة تمهد لتطبيع العلاقات.
وبعد شهرين من تكليفه، تسلم باراك أيضًا ملف لبنان، مع هدف رئيسي يتمثل في تعزيز الحكومة الجديدة ودفعها نحو نزع سلاح "حزب الله"، ووضع الأسس لتطبيع مستقبلي مع إسرائيل.
وبالتوازي، يسعى باراك لإقناع إسرائيل بتقليص هجماتها على لبنان، وسحب قواتها من الجنوب تدريجيًا.
وخلال زيارة تل أبيب، الأحد الماضي، شدد الوفد الأمريكي على ضرورة "خلق زخم إيجابي"، فيما أبدى الجانب الإسرائيلي استعدادًا للتجاوب جزئيًا، مشروطًا بقدرة الجيش اللبناني على كبح نفوذ "حزب الله".