في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيدًا جديدًا في مسار المواجهة السياسية والأمنية بين واشنطن وكاراكاس، نشرت الولايات المتحدة ثلاث مدمرات حربية مزودة بصواريخ موجهة من طراز "إيجيس" قبالة السواحل الفنزويلية.
تأتي هذه الخطوة في إطار ما وصفته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه "حملة عسكرية موسعة لمكافحة عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية"، في وقت تتصاعد فيه الاتهامات الأمريكية لنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، بالتورط في شبكات الاتجار الدولي بالمخدرات، وهو ما تنفيه كراكاس بشكل قاطع، حسب شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية.
نشر مدمرات أمريكية
وبحسب تقرير "سي بي إس نيوز"، فإن نشر المدمرات البحرية يتزامن مع إجراءات سياسية وقانونية أكثر صرامة اتخذتها إدارة ترامب، بما في ذلك تصنيف بعض العصابات اللاتينية كمنظمات إرهابية، ورفع قيمة المكافآت المالية المخصصة للقبض على مادورو من 15 مليون دولار إلى 50 مليون دولار، في خطوة فُسرت على أنها ضغط مباشر لإضعاف نظامه وإحكام الطوق على مصادر دعمه.
وأكد مسؤول في البيت الأبيض - وفق شبكة "سي بي إس نيوز" - أمس الأربعاء، أن الولايات المتحدة ستنشر ثلاث مدمرات مزودة بنظام الصواريخ الموجهة "إيجيس"، وهي السفن "جريفلي"، و"جيسون دونهام"، و"سامبسون"، في المياه الدولية قبالة فنزويلا خلال الأيام المقبلة.
وأضاف المسؤول الأمريكي، أن هذه الخطوة تأتي ضمن "إستراتيجية عسكرية تهدف إلى التصدي لتهديدات الكارتلات (عصابات تهريب للمخدرات)، التي تهدد الأمن الأمريكي الداخلي عبر تهريب المخدرات، وعلى رأسها الفنتانيل، إلى المجتمعات الأمريكية".
وفي تأكيد آخر، أوضح مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية لوكالة أسوشيتد برس، أن "الأصول العسكرية المرسلة مخصصة لدعم جهود مكافحة المخدرات"، مشيرًا إلى أن نشر هذه المدمرات قد يستمر "لعدة أشهر"، في دلالة على أن العملية ليست عابرة أو آنية، وإنما جزء من خطة طويلة المدى.
مواجهة العصابات
ودفعت إدارة ترامب بقوة نحو استخدام الجيش الأمريكي كأداة لردع العصابات، التي تحملها المسؤولية عن تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة وإشاعة العنف في مدنها الكبرى. ولم يقتصر الأمر على الجانب العسكري، إذ كثفت الإدارة أيضًا من إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة بحق أعضاء العصابات المشتبه بهم داخل الولايات المتحدة.
وفبراير 2025، صنف ترامب عصابة "ترن دي أراغوا" الفنزويلية، وعصابة "إم إس-13" في السلفادور، إضافة إلى ست مجموعات متمركزة في المكسيك، باعتبارها منظمات إرهابية أجنبية.
ورغم أن هذا التصنيف يُطبق عادة على جماعات متطرفة مثل "القاعدة" و"داعش"، إلا أن إدارة ترامب بررت الخطوة بوجود "روابط دولية معقدة لهذه العصابات تشمل تهريب المخدرات وتهريب البشر وتوسيع النفوذ عبر العنف"، ما يجعلها تُشكل تهديدًا شبيهًا بالجماعات الإرهابية.
العلاقات مع المكسيك
لم تقتصر ضغوط إدارة ترامب على فنزويلا فقط، إذ حث الرئيس الأمريكي نظيرته المكسيكية كلوديا شينباوم، على تعزيز التعاون الأمني مع واشنطن، وبالأخص عبر مواجهة الكارتلات المكسيكية بشكل أكثر حزمًا، إلا أن شينباوم اتخذت موقفًا واضحًا برفض أي تدخل عسكري أمريكي داخل الأراضي المكسيكية، مؤكدة أن ذلك "يمس بسيادة المكسيك ويهدد الاستقرار الداخلي".
وتصاعد التوتر بين واشنطن وكاراكاس بشكل كبير عقب إعلان إدارة ترامب مضاعفة المكافأة المالية المخصصة للقبض على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، لتصل إلى 50 مليون دولار، جاءت هذه الخطوة بعد اتهامه بأنه "واحد من أكبر تجار المخدرات في العالم" وبأنه يقود شبكة تعاون وثيقة مع كارتلات دولية لإغراق الولايات المتحدة بالكوكايين الممزوج بالفنتانيل.
يذكر أن الاتهامات الأمريكية لمادورو ليست جديدة، إذ سبق لمحكمة فيدرالية في نيويورك أن وجهت له عام 2020، خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، اتهامات تتعلق بـ"الإرهاب المرتبط بالمخدرات" و"التآمر لاستيراد الكوكايين إلى الولايات المتحدة". آنذاك، رصدت واشنطن مكافأة قدرها 15 مليون دولار مقابل القبض عليه، قبل أن تتم مضاعفتها لاحقًا.
موقف فنزويلا
رفضت الحكومة الفنزويلية جميع الاتهامات الأمريكية، واعتبرتها "ادعاءات سياسية لا أساس لها"، وأصدر وزير الخارجية الفنزويلي إيفان جيل، بيانًا أول أمس الثلاثاء، أكد فيه أن "اتهامات واشنطن لفنزويلا بالاتجار بالمخدرات تكشف عن فشل سياساتها الإقليمية وانعدام مصداقيتها"، مضيفًا أن "الاحترام الحقيقي لسيادة الشعوب الطريق الأمثل لمكافحة الجريمة".
كما تجاهل البيان مسألة نشر المدمرات الأمريكية، لكنه شدد على أن "كل خطاب عدواني صادر عن واشنطن إنما يبرهن على عجز الإمبريالية عن إخضاع شعب حر وذو سيادة".
وبالتوازي مع التصعيد السياسي، أعلنت السلطات الفنزويلية حظرًا مؤقتًا لاستخدام الطائرات المسيّرة داخل أجوائها، وجاء هذا القرار عقب مخاوف من استخدامها في عمليات هجومية، خاصة بعد حادث 2018، عندما انفجرت طائرات مسيّرة محملة بالمتفجرات قرب منصة الرئيس مادورو في أثناء خطاب جماهيري مباشر، فيما اعتبر محاولة اغتيال واضحة.
تعبئة الميليشيات
في كلمة ألقاها الاثنين الماضي، في العاصمة كاراكاس، قال الرئيس مادورو، إن "الولايات المتحدة صعدت تهديداتها ضد فنزويلا"، معلنًا خططًا لنشر أكثر من 4.5 مليون عنصر من الميليشيات عبر البلاد. وأشار إلى أن هذه الميليشيات، التي أنشأها الرئيس الراحل هوجو تشافيز، تضم متطوعين يهدفون إلى "مساعدة القوات المسلحة في التصدي لأي اعتداءات خارجية أو داخلية".
وأضاف مادورو أن "الإمبراطورية الأمريكية تجني على نفسها وتجدد تهديداتها للسلام والهدوء في فنزويلا"، دون أن يحدد إجراءات عسكرية أو سياسية أخرى.