مع اقتراب الجابون من موعد الانتخابات التشريعية والمحلية، 27 سبتمبر 2025، يترقب الشارع الجابوني اختبارًا سياسيًا سيكون الأول من نوعه منذ وصول الرئيس برايس أوليجي نجيما، السلطة، أغسطس 2023، وتشكل هذه الانتخابات مرحلة مفصلية في التاريخ السياسي الحديث للبلاد، تأتي في إطار المرحلة الانتقالية التي تقودها لجنة استعادة المؤسسات ضمن مشروع "الجمهورية الخامسة بُنيت معي"، في إشارة إلى مشروع نجيما الطامح إلى ترسيخ نظام جديد يقوم على إعادة هيكلة الدولة سياسيًا ومؤسسيًا. وفي قلب هذا التحول، يبرز حزب الاتحاد الديمقراطي للبناء (UDB) الذي أسسه الرئيس نفسه كقوة سياسية صاعدة تسعى إلى السيطرة على المشهد البرلماني والمحلي وتثبيت أقدامها في ظل أوضاع لا تخلو من التحديات.
ورغم الدعم الرسمي والسياسي الذي يحظى به الحزب، فإن الطريق إلى تعزيز الموقع الانتخابي لا يبدو ممهدًا بالكامل، إذ بدأت الخلافات الداخلية في الظهور خاصة مع الجدل الذي صاحب اختيار أكثر من 300 مرشح لتمثيله، ما أثار علامات استفهام حول تماسكه وقدرته على إدارة تنوع مكوناته. ورغم إشراف اللجنة الوطنية للانتخابات على العملية بشكل صارم، إلا أن هذه الانتخابات تُراقَب عن كثب محليًا ودوليًا، باعتبارها مرحلة حاسمة لتقييم مدى التزام السلطات الجديدة بالانتقال نحو حكم مدني ديمقراطي.
تأسيسًا على ما تقدم يسعى التحليل للإجابة على سؤال: هل تعزز انتخابات الجابون سبتمبر المقبل موقع حزب نجيما رغم الانقسامات الداخلية؟
عوامل داعمة
هناك جملة من العوامل قد تسهم في تعزيز موقع حزب UDB خلال الانتخابات التشريعية، وتشكل أرضية قوية لبسط نفوذه في البنية السياسية، منها:
(*) توقيت الانتخابات: من أبرز العوامل التي تصب في مصلحة حزب UDB هو توقيت الانتخابات ذاته، فبعد أكثر من عام من حكم انتقالي جاء عقب توترات سياسية بالجابون، تسعى السلطات إلى ترسيخ الشرعية على النظام، من خلال صناديق الاقتراع. فعلى الرغم من أن الحزب تأسس بقرار سياسي من الرئيس نجيما، إلا أن فوزه في الاستحقاقات التشريعية والمحلية يمنحه إطارًا ديمقراطيًا يضفي على وجوده المؤسسي طابعًا شعبيًا ورسميًا، وينقل النظام من مشروعية الأمر الواقع إلى مشروعية الاقتراع. كما أن هذه الشرعية الانتخابية بمثابة تزكية شعبية لخيارات الرئيس ومسار الجمهورية الخامسة، ما يمنحه تفويضًا سياسيًا أوسع لإكمال برنامجه الإصلاحي.
(*) ضعف التنسيق بين القوى المعارضة: لا يشهد النظام الحزبي وجود معارضة موحدة قادرة على تشكيل تحدٍ أمام حزب UDB، فقد أدى التوتر السياسي الذي أطاح بعلي بونجو إلى إرباك صفوف المعارضة التي عانت من انقسامات عميقة في المواقف تجاه المرحلة الانتقالية، كما فشلت في الاتفاق على قيادة مركزية أو برنامج سياسي موحّد يخاطب تطلعات الناخبين. ويُضاف إلى ذلك غياب شخصية سياسية كاريزمية توحّد أطياف المعارضة، مع انسحاب بعض المعارضين السابقين وانضمامهم للحزب الحاكم، ما عمّق حالة التشظي داخل المعسكر المناوئ للسلطة. هذا التفكك التنظيمي يضعف من فاعلية المعارضة في الميدان الانتخابي، ويمنح حزب نجيما هامشًا واسعًا للمناورة والسيطرة على المشهد، دون أن يواجه جبهة انتخابية متماسكة تعيق تقدمه.
(*) قدرة الحزب في النفاذ إلى البنية الإدارية للدولة: كون الحزب مدعومًا من الرئيس نجيما مباشرة، فإنه يتمتع بميزة الوصول إلى أجهزة الدولة ومصادر الدعم اللوجستي والإداري، وتنعكس هذه السيطرة في تسهيل إجراءات الترشيح وتنسيق الحملات الانتخابية، والتأثير على دينامية اللجان الانتخابية المحلية، التي تتبع في معظمها تعليمات صادرة من مراكز القرار الرسمية. كما أن وجود شخصيات من الحزب في مواقع حساسة داخل الدولة يعزز من قدرته على ضبط العملية الانتخابية والتحكم في مفاصلها، ما يضعه في موقع متقدم قبل بدء المنافسة الفعلية ويمنحه أفضلية قد تُترجم إلى نتائج ميدانية كبيرة.
(*) الحشد المجتمعي: منذ تأسيس حزب "UDB" نجح في استقطاب عشرات الآلاف من الأعضاء، وشكّل تحالفات مع أكثر من 80 حزبًا سياسيًا و400 جمعية مدنية، ما أتاح له الانتشار السريع على المستوى الوطني. هذا الزخم لا يقتصر فقط على الكم، بل يمتد إلى نوعية الفئات التي انضمت إليه من منظمات شبابية ونقابية إلى شخصيات عامة ومسؤولين محليين، ما أوجد شبكة دعم شعبي قوية وواسعة. ومع ربط الحزب مشروعه السياسي بشعار بناء الجمهورية الخامسة، بات قادرًا على مخاطبة شرائح واسعة من مواطني الجابون.
تحديات واردة
ورغم هذه المكاسب، يواجه حزب "UDB" اختبارات صعبة قد تعرقل مساره تتمثل في:
(*) الاعتماد المفرط على القيادة الفردية: رغم ارتباط حزب UDB بشخص الرئيس نجيما، إلا أن هذا التمركز المفرط حول شخصية واحدة يُعد سيفًا ذا حدين. فالحزب حتى الآن لا يبدو أنه يمتلك قيادة جماعية واضحة أو بنية تنظيمية مستقلة قادرة على العمل بعيدًا عن ظل الرئيس بما يخلق هشاشة داخلية، لأن أي تراجع في شعبية نجيما أو تغير في موقعه السياسي قد ينعكس مباشرة على الحزب ويهدد استمراريته. وإذا لم ينجح الحزب في ترسيخ هويته كتنظيم مستقل قادر على إنتاج قراراته الداخلية، فإنه سيظل مرهونًا بمصير الرئيس، ما يُقيد قدرته على التوسع السياسي طويل الأمد أو التفاعل مع المتغيرات بشكل مرن.
(*) التسرع في التأسيس وغياب الإطار الفكري الواضح: نشأ حزب UDB في ظل ظروف انتقالية استثنائية وبوتيرة سريعة، ما جعله يفتقر إلى الوقت الكافي لتأسيس هوية أيديولوجية واضحة. فالتأسيس لم يأتِ نتيجة حراك حزبي طبيعي أو نقاش مجتمعي واسع، بل كمبادرة من الرئيس نجيما لترسيخ غطاء سياسي على سلطته الانتقالية. هذا التسرع جعل الحزب يبدو كجبهة جامعة لمجموعات ومصالح متباينة أكثر منه تنظيمًا سياسيًا مبنيًا على مشروع فكري موحد، ومع غياب الخطاب الأيديولوجي المميز أو برنامج سياسي تفصيلي يعكس رؤيته، فإن الحزب يجد صعوبة في جذب الناخبين على أساس قناعات فكرية، ما يُضعف تماسكه الداخلي، ويجعله أكثر عُرضة للخلافات والصراعات الشخصية بين مكوناته.
(*) المتابعة الدولية والانقسامات الداخلية: يحظى المشهد الانتخابي في الجابون برقابة دولية مكثفة، إذ تعتبرها الجهات الإقليمية والدولية اختبارًا حاسمًا لمصداقية المرحلة الانتقالية بقيادة الرئيس نجيما. ما يزيد من حساسية الوضع داخل حزب UDB خاصة مع ما شهده من جدل واسع وانقسامات حول عملية اختيار أكثر من 300 مرشح. وانتشرت اتهامات بالتحيز والتهميش وسط استياء بعض القواعد من افتقار العملية الانتخابية إلى الشفافية والانضباط الداخلي. هذا التوتر لا يهدد فقط وحدة الحزب، بل قد يفتح المجال للطعن في نتائجه أو التشكيك في مستوى تمثيله، لا سيّما في ظل البيئة الدولية التي تراقب العملية الانتخابية برمتها.
ختامًا، يمكن القول إنه بالرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي للبناء UDB يمتلك ورقة قوة أساسية تتمثل في ارتباطه المباشر بالرئيس نجيما وبالزخم الشعبي، الذي جاء مع التغيير السياسي في 2023، إلا أن استثمار هذه الميزة يتطلب إدارة حكيمة للتوازنات الداخلية وتقديم خطاب انتخابي قادر على توحيد الصفوف واستيعاب التباينات. فالتجربة الانتقالية في الجابون لا تزال محل متابعة دقيقة، وأي إخفاق في إدارة هذه المرحلة قد ينعكس سلبًا على ثقة المواطنين في المؤسسات وعلى صورة الجابون أمام شركائها الدوليين. ونجاح هذه الانتخابات لن يقاس فقط بعدد المقاعد التي سيفوز بها حزب نجيما، بل بمدى قدرتها على ترسيخ ثقافة المشاركة السياسية الواسعة وبناء مؤسسات قادرة على التعبير عن إرادة المواطنين، بعيدًا عن منطق الولاءات الشخصية.