في أمسية استثنائية على مسرح البحر في مدينة صيدا، اختار الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة أن يواجه الموت بالموسيقى، والحرب بالأمل، والدمار بنشيدٍ للحياة.
ففي حفله الذي أحياه مساء السبت، خلع "خليفة" وشاحه الأزرق الذي لازمه لسنوات، وارتدى مع فرقته ثيابًا سوداء، في مشهد رمزي أراده "انتصارًا على الموت"، ووجه من خلاله تحية إلى "أهل غزة" وضحايا انفجار مرفأ بيروت.
واستهل الحفل بأداء "نشيد الموتى"، في مشهد مهيب تزامن مع ضوء القمر المكتمل وصوت الموج الذي أحاط بالمسرح المُقام قرب القلعة البحرية، بحضور 2200 شخص، من بينهم جرحى فلسطينيون قدِموا من غزة، بعضهم فقد أطرافه أو حُرم من القدرة على السير، في ظل حرب إسرائيل المستمرة منذ عامين على القطاع.
في قلب مدينة صيدا، التي ارتبطت ببداياته، قدّم خليفة حفلًا طغى عليه البعد الإنساني والوطني والوجداني، إذ احتضنته المدينة التي وصفها بأنها "أرض أغنيته" مجددًا بعد عقود، ليعود إليها كبحار قديم يعود إلى الميناء.
خليفة، الذي لطالما تغني بفلسطين وقصائد محمود درويش، أهدى الحفل لروح الشاعر الراحل، في الذكرى السابعة عشرة لرحيله، وغنّى له "في البال أغنية" و"ريتا والبندقية"، التي رددها الجمهور قبله بصوت واحد.
كما وجه تحية للفنان الراحل زياد الرحباني، بمقطوعة عزفها نجله رامي على البيانو، رافقه هو على العود، في لحظة امتزجت فيها الحميمية بالتكريم.
وعلى أنغام "تانجو تشي جيفارا"، التي عزفها نديم روحانا على الأكورديون، و"بغيبتك نزل الشتي"، و"ركوة عرب"، مرّ الحفل كرحلة في الذاكرة الوطنية والثقافية، من بيروت إلى الجنوب، ومن فلسطين إلى العالم.
ولم تكتمل الأمسية دون تحية لمرفأ بيروت في ذكراه الخامسة، إذ عزف رامي خليفة مقطوعة مؤثرة استحضرت أرواح الضحايا.
أما ذروة الحفل، فجاءت مع إنشاد الجمهور لأغنية "منتصب القامة أمشي"، ثم "إني اخترتك يا وطني"، التي طلبها مرتين، وتفاعل معها بحماس لافت، حتى اقتربت مراكب الصيادين من المسرح رافعة الأعلام اللبنانية، على وقع "يا بحريّة هيلا هيلا"، التي غنّاها مارسيل لأول مرة في صيدا قبل 50 عامًا.
واختتم مارسيل خليفة الحفل بكلمات حملت خلاصة رؤيته: "كل نوتة وكل أغنية وكل قصيدة هي اليوم شمس كبيرة تعيد إلينا الحب والكرامة والحرية، تعيدنا إلى الحياة. تنقذنا… وهي انتصار على الموت".