بات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضع كل ثقله السياسي والاقتصادي خلف محاولة إبرام اتفاق تجاري كبير مع الصين، في خطوة قد تحدد إرثه الاقتصادي وتعيد رسم ملامح العلاقات الأمريكية الصينية لعقود مقبلة.
بعد نجاح ترامب في تمديد التخفيضات الضريبية وتثبيت معدلات التعريفات الجمركية واستقطاب مليارات الدولارات من الاستثمارات إلى الولايات المتحدة، وحسب موقع "أكسيوس" الأمريكي، بات يعتبر هذا الاتفاق "أكبر قطعة لغز متبقية" في أجندته الاقتصادية، وتحقيقه أمر ضروري حتى لو تطلب ذلك التخلي عن بعض ركائز الاستراتيجية الأمريكية التقليدية تجاه بكين.
الصفقة الكبرى
بحسب "أكسيوس"، فإن ترامب خفّض من أولوية ملفات كانت تمثل نقاط توتر رئيسية في العلاقة مع الصين، مثل قضية تايوان، والقيود المفروضة على التكنولوجيا، والتحالفات الدولية المناهضة لبكين، وذلك من أجل إفساح المجال أمام المفاوضات التجارية.
ويرى الموقع أن هذا النهج يعكس رغبة ترامب في التركيز على عوائد اقتصادية سريعة يمكن أن يستعرضها في الداخل الأمريكي، حتى لو كان ذلك على حساب ترتيبات أمنية وسياسية راسخة.
ولم تقتصر سياسات ترامب على تغيير نهجه تجاه الصين، بل امتدت إلى إحداث توترات مع الهند، التي تعتبرها واشنطن شريكًا استراتيجيًا مهمًا في مواجهة النفوذ الصيني، فقد فرض ترامب رسومًا جمركية عالية بنسبة 50% على الهند، كإجراء عقابي على استمرارها في شراء النفط الروسي، وهو ما وصفه بأنه "تغذية آلة الحرب الروسية".
وبحسب وكالة رويترز، أثارت هذه الخطوة غضب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي ردَّ بتجميد خطط شراء الأسلحة الأمريكية وإلغاء زيارة دفاعية رفيعة المستوى إلى واشنطن.
في المقابل، لم تتعرض الصين، التي تعد أكبر مستورد للنفط الروسي في العالم، لإجراءات عقابية مماثلة، وهو ما أثار تساؤلات حول ازدواجية المعايير في نهج ترامب.
مخاطرة ضرورية
ونقل "أكسيوس" عن مصادر دبلوماسية أن "مودي" أجرى هذا الأسبوع مكالمات هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في مؤشر على تقارب محتمل مع كتلة دول البريكس التي تقودها الصين.
كما يخطط "مودي" لزيارة بكين لاحقًا هذا الشهر، في أول زيارة له منذ سبع سنوات، ما يعكس تحولًا في سياسة الهند الخارجية يمكن أن يقلل من تأثير واشنطن في المنطقة.
يرى "أكسيوس" أن ترامب، المعروف بتفضيله الدبلوماسية الشخصية على التخطيط الاستراتيجي طويل المدى، مستعد لتعديل سياسات بلاده من أجل عقد قمة استعراضية مع الرئيس الصيني شي جين بينج، حتى لو كانت النتائج غير مضمونة بالكامل، ويعتبر هذا المسعى، في نظر ترامب، مخاطرة ضرورية لضمان اتفاق تجاري يضع اسمه في صفحات التاريخ الاقتصادي الأمريكي.
ملف الرقائق
في سياق متصل، كشف "أكسيوس" أن إدارة ترامب ألغت الشهر الماضي الحظر المفروض على بيع شركة إنفيديا الأمريكية رقائق الذكاء الاصطناعي H2O إلى الصين، في خطوة أثارت قلق الجمهوريين، الذين يخشون أن يؤدي ذلك إلى تعزيز القدرات التجارية والعسكرية للصين في مجال الذكاء الاصطناعي، ليخرج مسؤول في البيت الأبيض ويؤكد أن القيود الأخرى على تصدير هذه التقنيات ما زالت سارية.
وأورد التقرير أن إدارة ترامب طلبت من الرئيس التايواني لاي تشينج تي إلغاء توقفه المقرر في نيويورك هذا الشهر خلال رحلته إلى أمريكا اللاتينية، لتجنب استفزاز الصين، واستجابة لذلك، ألغى "لاي" رحلته بالكامل، ويعتبر هذا الموقف تراجعًا عن النهج المتشدد الذي تبنته واشنطن سابقًا لدعم تايبيه في مواجهة بكين.
اهتزاز التحالفات
قد يؤدي التوتر بين ترامب ومودي إلى إلغاء قمة الرباعية لهذا العام، وهي آلية حوار أمني تضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، كان ترامب قد دعمها خلال ولايته الأولى.
كما أن وزارة الدفاع الأمريكية تراجع حاليا إمكانية استمرار اتفاقية أوكوس الدفاعية، التي تم التفاوض عليها في عهد الرئيس جو بايدن، وتهدف إلى تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، في خطوة قد تعيد خلط أوراق التوازن الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
كما تحدى ترامب القانون الأمريكي الذي يفرض على تطبيق تيك توك المملوك للصين أن يغير ملكيته أو يواجه الحظر، وهو تحول كبير عن موقفه في ولايته الأولى عندما كان يقود الجهود لتصنيف التطبيق كتهديد للأمن القومي. هذا التراجع فُسر على أنه جزء من محاولة ترامب تجنب إثارة غضب بكين خلال المفاوضات التجارية.
لهجة ودية
يشير التقرير إلى أن ترامب يوجه معظم انتقاداته القاسية نحو حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، مثل الاتحاد الأوروبي، في حين يتحدث عن مواجهة الصين "بطريقة ودية للغاية"، كما يكرر ترامب الإشادة بعلاقته الشخصية الوثيقة مع شي جين بينغ، بل وأثنى الشهر الماضي على خطوات بكين للحد من تدفق مادة الفنتانيل.
ورغم هذه اللغة الودية، سعت إدارة ترامب للحفاظ على صورة الحزم تجاه الصين في المحادثات التجارية، فقد قامت هذا الشهر بمقاضاة مواطنين صينيين بتهمة تهريب الرقائق الإلكترونية، وضغطت علنًا على الرئيس التنفيذي لشركة إنتل للاستقالة بسبب علاقاته مع بكين.