الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ظاهرها تجاري وباطنها سياسي.. "الرسوم الجمركية" تحقق لترامب أهدافه الأمنية

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والأمر التنفيذي للرسوم الجمركية

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

على الرغم من الآثار الضخمة على خطوط التجارة العالمية، فإن استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرسوم الجمركية كأداة للقوة كان أكثر شمولًا مما كان معروفًا للعامة، إذ شملت مجموعة من أهداف الأمن القومي للولايات المتحدة، فضلًا عن مصالح شركات فردية؛ حسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

ووفقًا لوثائق حكومية داخلية، درس مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية، هذا الشهر، إمكانية مطالبة شركاء الولايات المتحدة التجاريين بالتصويت ضد مسعى دولي لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من سفن الحاويات العابرة للمحيطات، التي تُشكل عصب التجارة العالمية، وذلك حسبما جاء في مسودة "مذكرة عمل"، ضمن تلك الوثائق، إذ أُبلغ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن مسؤولي الوزارة سعوا إلى "إدراج هذه القضية في مفاوضات التجارة الثنائية الجارية" مع الدول البحرية مثل سنغافورة.

جاءت هذه الخطوة بعد أن ناقش مسؤولو الإدارة الأمريكية في الربيع الماضي توسيع نطاق المفاوضات التجارية مع أكثر من اثنتي عشرة دولة، واستغلال تلك المفاوضات في تحقيق أهداف سياسية وأمنية، كان منها مطالبة إسرائيل بالقضاء على سيطرة شركة صينية على ميناء رئيسي، والإصرار على أن تدعم كوريا الجنوبية علنًا نشر قوات أمريكية لردع الصين وكذلك منافس سول التقليدي، كوريا الشمالية، بحسب الوثائق.

كما جاءت أحدث إشارة لتؤكد الهدف الأمريكي الخفي من مفاوضات الرسوم الجمركية، إذ ينظر ترامب إليها باعتبارها "السكين السويسري" للدبلوماسية هذا الأسبوع، عندما هدّد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على السلع الهندية لإجبار نيودلهي على وقف مشتريات النفط الروسية.

في قائمة من ثماني صفحات لـ"أهداف التفاوض التكميلية"، أقرّ المسؤولون الأمريكيون بأن الاتفاقيات المحتملة ستشمل قضايا، منها القواعد العسكرية، وهو أمر غير مألوف في أي اتفاقية تجارية، كما ناقش المسؤولون الضغط على دول أخرى لتقديم تنازلات لشركات فردية، بما في ذلك شركة "شيفرون"، إحدى أكبر عشر شركات منتجة للنفط في العالم، وشركة "ستارلينك" التابعة لـ إيلون ماسك، الحليف السابق للرئيس الأمريكي.

الضغط على كوريا

في الثاني من أبريل الماضي، وصف ترامب تعريفاته الجمركية بأنها ردٌّ على ممارسات تجارية غير عادلة من دول أخرى، ومن شأنها أن تُخفِّض عجز الميزان التجاري الأمريكي للسلع البالغ 1.2 تريليون دولار. وجاء في أمره التنفيذي أنه يُمكن تخفيض ضرائب الاستيراد على الدول التي "تتوافق بشكل كافٍ مع الولايات المتحدة في المسائل الاقتصادية والأمنية الوطنية".

ويلفت التقرير إلى أنه "بينما كان المفاوضون الأمريكيون يستعدون لمحادثات متزامنة مع 18 من كبار الشركاء التجاريين، انهمرت الاقتراحات (السياسية والأمنية) من مختلف أنحاء الإدارة"، منها كما قيل إنه ينبغي حثّ الحكومة الكورية الجنوبية على تأييد تغيير موقع القوات الأمريكية المتمركزة هناك تحت قيادة القوات الأمريكية في كوريا، وفقًا لمسودة أولية لاتفاقية أمريكية كورية.

ومن بين الأهداف المدرجة، اشتراط أن "تصدر كوريا بيانًا سياسيًا يدعم مرونة تمركز قوات الولايات المتحدة في البلاد لردع الصين بشكل أفضل، مع الاستمرار في ردع كوريا الشمالية".

كما تريد الولايات المتحدة من سول تعزيز الإنفاق الدفاعي إلى 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعًا من 2.6% في العام الماضي، وزيادة مساهمتها بأكثر من مليار دولار لتغطية التكاليف السنوية لتمركز نحو 28500 جندي أمريكي في كوريا الجنوبية.

وأظهرت وثيقة التفاوض أن مسؤولي الإدارة الأمريكية يخططون لدفع العديد من الدول، بما في ذلك تايوان والهند وإندونيسيا، إلى زيادة إنفاقها الدفاعي أو شراء المزيد من المعدات العسكرية.

ملاحقة الصين

وضمن الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين، تصور بعض المسؤولين في إدارة ترامب أن استخدام المفاوضات التجارية قد يكون السبيل لاحتواء النفوذ الاستراتيجي لبكين.

إذ يأمل الأمريكيون أن يؤدي تهديد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 49% على السلع الكمبودية إلى إقناع المسؤولين في بنوم بنه بالسماح "للبحرية الأمريكية بإجراء زيارات سنوية (أو نصف سنوية) للسفن وتدريبات في قاعدة ريام البحرية" في جنوب غرب كمبوديا، وذلك بعدما أعربت واشنطن عن قلقها إزاء الوجود البحري الصيني في هذه القاعدة، التي تُتيح وصولًا مباشرًا إلى بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه. كما طالبت الولايات المتحدة الحكومة الكمبودية بمنع أي انتشار عسكري صيني خارج ريام، وفقًا للوثيقة.

أيضًا، كان من المقرر الضغط على المسؤولين الإسرائيليين "لسحب ملكية ميناء حيفا من الصين"، بعد أن فازت "مجموعة شنغهاي الدولية للموانئ الصينية"، المملوكة للدولة بأغلبية أسهمها، بعقد مدته 25 عامًا لتشغيل منشأة آلية جديدة لمناولة الحاويات هناك.

ويعود القلق الأمريكي بشأن الوجود الصيني في حيفا إلى إدارة بايدن. وقد رست سفن البحرية الأمريكية في كثير من الأحيان في قاعدة بحرية إسرائيلية مجاورة للميناء التجاري.

كما أعرب المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم بشأن ميناء آخر خاضع للسيطرة الصينية في مدينة داروين شمال أستراليا، الذي يستضيف نحو 2500 جندي من مشاة البحرية الأمريكية في مهمة دورية. وكانت مجموعة "لاندبريدج" الصينية قد وقّعت عقد إيجار لمدة 99 عامًا لتشغيل الميناء الأسترالي في عام 2015.

وعندما أراد المفاوضون الأمريكيون "إشارة" من الحكومة الأسترالية تُعرب عن "نيتها إعادة النظر في اتفاقها بشأن تشغيل ميناء داروين من قِبل شركة مدعومة من الصين"، تعهّد رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز خلال الحملة الانتخابية الأسترالية هذا العام، بإعادة الميناء إلى الملكية المحلية.

مع هذا، كانت الموانئ مجرد عنصر واحد من اقتراح أوسع نطاقًا مناهض للصين. ففي شرق إفريقيا، طالبت الإدارة الأمريكية مدغشقر برفض السماح للصين "بإنشاء قواعد عسكرية وتوسيع التعاون العسكري".

كما طالب رجال ترامب دولة أخرى صغيرة في شرق إفريقيا، هي جزيرة موريشيوس، بإجراء دراسة لإزالة معدات الاتصالات التي تصنّعها شركات "هواوي" و"زد تي إي" و"هيكفيجن" الصينية من شبكات الاتصالات والمراقبة لديها.

وطالب المسؤولون الأرجنتين بالتشاور مع خبراء أمريكيين بشأن تطبيق "تدابير رقابية" على المنشآت الفضائية الصينية في البلاد "لضمان استخدامها المدني حصرًا".

مصالح الشركات

بعيدًا عن الضغوط الدولية، اقترحت المسودة أيضًا سبلًا تُمكّن الحكومة الأمريكية من إعطاء الأولوية لمصالح شركات مُحددة.

ففي ليسوتو، وهي دولة إفريقية فقيرة، هددها ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50%، حيث أراد المفاوضون من الحكومة إتمام صفقات مع "شركات أمريكية متعددة".

وحسب الوثيقة، ينبغي منح شركة "ون باور"، وهي شركة ناشئة في مجال الطاقة المتجددة، إعفاءً ضريبيًا لمدة خمس سنوات، ورخصةً لتطوير مشروع بقدرة 24 ميجاوات.

كما نصّت على ضرورة إعفاء الجهات التنظيمية من شرط قانوني يُلزم شركة "ستارلينك"، مزود خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التابع لماسك، بتوفير عنوان فعلي في ليسوتو قبل ممارسة الأعمال التجارية هناك.

وفي إسرائيل، أراد المسؤولون الأمريكيون من الحكومة ألا "تمضي قدمًا في أي مسودة قواعد أو خطط محتملة لإجبار شركة شيفرون على بيع مصالحها أو وضعها كمشغل في أحد حقول الغاز الطبيعي البحرية التابعة لها"؛ حيث تعمل شركة الطاقة التي يقع مقرها في هيوستن في إسرائيل منذ عام 2020.

محادثات المناخ

تواصل الإدارة الأمريكية استغلال محادثات التجارة لتحقيق مكاسب أوسع. ووجّه ماكوي بيت، المسؤول الكبير في مكتب شؤون المنظمات الدولية بوزارة الخارجية، رسالة إلى وزير الخارجية هذا الشهر حول ربط محادثات التجارة بآمال إحباط اتفاق عالمي بشأن تغير المناخ.

وحثّت رسالة بيت وزير الخارجية روبيو للموافقة على استراتيجية قبل تصويت أعضاء المنظمة البحرية الدولية المقرر في أكتوبر المقبل بشأن الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من سفن الحاويات الكبيرة، حيث وافقت المنظمة التابعة للأمم المتحدة في أبريل الماضي على مسودة لوائح وصفتها مذكرة وزارة الخارجية الأمريكية بأنها "ضريبة كربون عالمية".

وجاء في مذكرة بيت، التي حملت عنوان "حماية مصالح الشحن الأمريكية من خلال هزيمة "إطار عمل الصفر الصافي" للمنظمة البحرية الدولية"، أنه كجزء من أي صفقة تجارية مع الولايات المتحدة "يتم توجيه الدول أو يتوقع منها" التصويت ضد اقتراح المنظمة البحرية الدولية.