الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تمنح الأفضلية للصين في منافسة الولايات المتحدة، على التقارب مع الدول الأفريقية، إذ تقدم بكين لها الآن شريان حياة.
وقال الخبير الاقتصادي النيجيري بسمارك ريواني، لشبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية: "نحن -إفريقيا- نتجه مباشرة إلى أيدي الصين"، مضيفًا في إشارة إلى التحول المتوقع من جانب إفريقيا نحو الصين التي برزت في السنوات الأخيرة باعتبارها أكبر شريك تجاري ثنائي للقارة: "هذه هي النتيجة المؤسفة".
وتواجه 4 دول إفريقية -ليبيا وجنوب إفريقيا والجزائر وتونس- بعضًا من أشد التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، إذ تتراوح الرسوم على الصادرات من 25% إلى 30%.
وأظهرت حزمة تعريفات جمركية معدَّلة أصدرها البيت الأبيض، أمس الأول الخميس، أن 18 دولة أخرى من القارة تعرضت لرسوم جمركية بنسبة 15%.
في أبريل، عندما تم الإعلان لأول مرة عن الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات، وصفها ترامب بأنها "متبادلة" وتستهدف الدول التي قال إنها تعاني من عجز تجاري مع الولايات المتحدة.
لكن ترامب بدلًا من ذلك، استند في تعريفاته الجمركية إلى العجز التجاري للدول مع الولايات المتحدة، وليس التعريفات الجمركية التي تفرضها هذه الدول.
جنوب إفريقيا، إحدى القوى الكبرى في القارة، تحدت فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على صادراتها المتجهة إلى الولايات المتحدة، قائلة إن قرار ترامب لم يكن مبنيًا على "تمثيل دقيق لبيانات التجارة المتاحة".
عرضت الصين تخفيف تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على إفريقيا، وقالت في يونيو، إنها ستوقف فرض الرسوم على الواردات لجميع شركائها الأفارقة تقريبًا.
وقال الباحث الجنوب إفريقي نيو ليتسوالو، لشبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية: "لا توجد فرصة أخرى أمام الدول الإفريقية لتعزيز التجارة بين الجنوب والجنوب (بين الدول النامية) سوى الآن"، وحثَّ الدول على "التوجه فقط إلى الصين وجعلها الولايات المتحدة التالية".
وأضاف "ليتسوالو" إن "أمريكا تخسر تدريجيًا مكانتها القيادية العالمية"، موضحًا أنه كلما أصبحت الدول "أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة، زادت فرصة الصين لتصبح بديلًا".
قبل الموعد النهائي لفرض الرسوم الجمركية، لم تبرم الولايات المتحدة أي اتفاقية تجارية مع أي دولة إفريقية، رغم جهود القارة لتجنب الرسوم، ما يبرز مكانة إفريقيا على قائمة أولويات البيت الأبيض، ووصف "ليتسوالو" فشل أمريكا في التفاوض على اتفاقية مع إفريقيا بأنه "هدف مفتوح للصين".
بدأت آثار رسوم ترامب الجمركية تتجلى بالفعل في بعض من أكثر اقتصادات إفريقيا ازدهارًا، وبعض من أفقر دول القارة، مثل ليسوتو، التي فُرِضت عليها رسوم جمركية بنسبة 15%، وكانت سابقًا 50%، وهي من أعلى الرسوم قبل تعديلها.
وقال رئيس وزراء ليسوتو صامويل ماتيكاني، في يونيو، إن الرسوم الجمركية الضخمة، إلى جانب توقف المساعدات الأمريكية للدولة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني نسمة "أدت إلى شل الصناعات التي كانت تدعم في السابق آلاف الوظائف".
وصف ترامب ليسوتو، وهي دولة غير ساحلية تحيط بها جنوب إفريقيا، بأنها دولة "لم يسمع بها أحد من قبل"، على الرغم من أن التجارة بين الولايات المتحدة وليسوتو تجاوزت 240 مليون دولار العام الماضي، معظمها في المنسوجات.
قبل فرض الرسوم الجمركية، استفادت ليسوتو من اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة سمحت لها ولغيرها من البلدان المؤهلة في جنوب الصحراء الكبرى بتصدير السلع إلى الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية.
وأعلنت السلطات في ليسوتو حالة الكارثة الوطنية لمدة عامين بسبب الرسوم الجمركية، في حين تستعد البلاد لتأثيرها، حيث تعاني صناعة النسيج بالفعل من خسائر فادحة في الوظائف.
كما أن آلاف الوظائف مهددة في جنوب إفريقيا، جارة ليسوتو الأكثر ثراء، وقال مزارعو الحمضيات إنهم يشعرون "بقلق شديد" قبل الموعد النهائي للتعريفات الجمركية في الأول من أغسطس.
وفي بيان صدر هذا الأسبوع، حذَّرت جمعية مزارعي الحمضيات في البلاد من أن "خسارة الوظائف ستكون أمرًا مؤكدًا" إذا دخلت الرسوم الجمركية حيز التنفيذ.
وأضافت الجمعية أن "مئات الآلاف من صناديق الحمضيات جاهزة للتعبئة في مستودعات التعبئة لشحنها إلى الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة"، وأن تطبيق الرسوم "سيعني أن معظم هذه الفاكهة ستبقى دون بيع".
ويشير محللون إلى أن قطاعات أخرى في جنوب إفريقيا، مثل قطاع السيارات، تواجه أيضًا خطر الصدمات الاقتصادية، وقال ليتسوالو: "لدينا بالفعل شركات في قطاع السيارات تهدد بمغادرة البلاد نتيجة لتراجع الأعمال". وأضاف أن "الرسوم الجمركية ستزيد من أعباء القضايا القائمة بالفعل، وإذا قررت هذه الكيانات الخروج من جنوب إفريقيا، فإن كوارث البطالة القائمة بالفعل سوف تتفاقم".
وقال جويدي مانتاشي، وزير الموارد المعدنية والبترول في جنوب إفريقيا، للصحفيين، الثلاثاء الماضي، إنه يتم البحث عن طرق أخرى للسلع الجنوب إفريقية.
وأضاف مانتاشي: "إذا فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية مرتفعة، فعلينا البحث عن أسواق بديلة.. والصين هي أكبر شريك تجاري لنا، وليست الولايات المتحدة. الولايات المتحدة هي ثاني أكبر شريك تجاري لنا".
ومع ذلك، وبينما تبحث جنوب إفريقيا عن فرص أوسع، أعربت مجموعة مزارعي الحمضيات عن تحفظاتها، وتحديدًا لأن منتجاتهم تناسب أسواقًا محددة، وبالتالي فإن العثور على سوق أخرى ليس بالأمر السهل.
وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة بويتشوكو نتشابيلي، لـ"سي إن إن"، في بيان، إن "السوق الأمريكية تظل أولوية، وينبغي أن يكون تحسين الوصول إلى الصين وأماكن أخرى أولوية أيضًا".
وأضاف نتشابيلي: "هناك تقدير كبير للحمضيات الجنوب إفريقية لدى المستهلكين الأمريكيين.. منذ عام 2017، تضاعفت صادراتنا إلى تلك السوق تقريبًا.. تتمتع هذه السوق بإمكانيات هائلة".
ويعتقد ليتسوالو أن هناك مخاطر مصاحبة وراء الخيار المغري المتمثل في الاعتماد على بكين لتخفيف تأثير الرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب.
وأضاف أن استبدال الصين بالولايات المتحدة "قد يكون محفوفًا بالمخاطر، خاصة بالنسبة لبعض الصناعات الناشئة داخل البلدان الإفريقية".
وحذَّر من أنه "إذا لم يتم حمايتهم، فإن المنتجات الصينية سوف تغمرهم وتتفوق عليهم في المنافسة، إذ إن العديد من البلدان الإفريقية هي أسواق حساسة للأسعار".
فرضت الصين بعض الصفقات التجارية غير المتوازنة في إفريقيا، حيث كان العجز التجاري منحازًا لصالحها، وفقًا لمشروع الصين والجنوب العالمي، وهي منظمة تراقب مشاركة الصين مع البلدان النامية.
وعلاوة على ذلك، فإن الجزء الأكبر من صادرات بكين إلى إفريقيا يتكون في المقام الأول من المنتجات المصنعة، في حين تتكون صادرات القارة إلى الصين عادة من المواد الخام.
أشار ليتسوالو إلى أنه في حين تعتمد إفريقيا على الصين في التجارة، يجب عليها أيضًا البحث عن بدائل محلية، وأوصى بالتنفيذ السريع لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وهي اتفاقية وقعتها دول القارة لتعزيز التجارة فيما بينها.
ورغم تأسيسها في عام 2020، كان تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية بطيئًا، حيث تشارك في الاتفاقية ما يزيد قليلًا على 20 دولة من أصل 55 دولة في القارة.
ويعتقد "ريوان" أن الرسوم الجمركية الأمريكية قد تلهم إفريقيا "لبناء مرونة اقتصادية وتقليل اعتمادها على التجارة غير المتوازنة"، وأضاف أن "القارة، قبل كل شيء، يجب أن تكون أكثر انغلاقًا على نفسها بدلًا من الاعتماد على الخارج".