انهارت صفقة تجارية كانت على وشك التوقيع بين الولايات المتحدة والهند، وتحوَّلت إلى أزمة دبلوماسية حادة تسببت في فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على البضائع الهندية، بسبب عدم إجراء مكالمة هاتفية مباشرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
مفاوضات مطولة وطريق مسدود
كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية أن الهند كانت في المسار السريع نحو إبرام اتفاق تجاري مع واشنطن، بدأ بزيارة مبكرة لمودي للبيت الأبيض، وأعقبتها أشهر من المفاوضات المكثفة.
وبحلول يوليو الماضي، اعتقد المسؤولون الهنود أنهم توصلوا إلى اتفاق نهائي، وأن وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك والممثل التجاري جاميسون جرير كانا ينتظران فقط موافقة ترامب الشخصية.
وأكد شخص مقرب من إدارة ترامب، لـ"بوليتيكو"، أنه "فهم أن اتفاقًا تجاريًا قد تم إنجازه لعدة أسابيع"، فيما كان المسؤولون الهنود مقتنعين بأن الاتفاق المبكر ينتظر فقط موافقة الرئيس الأمريكي.
وقال ترامب نفسه في منتصف يوليو: "نحن قريبون جدًا من الهند.. ويمكننا ربما عقد صفقة مع الاتحاد الأوروبي".
مكالمة لم تحدث
لكن التركيز سرعان ما تحول نحو الاتحاد الأوروبي، بينما وصلت المفاوضات مع الهند إلى طريق مسدود.
وتشير مصادر "بوليتيكو" إلى أن الهنود اعتقدوا أن البلدين يمكن أن يتوصلا لاتفاق إذا تمكن مودي وترامب من التحدث مباشرة في اجتماع أو مكالمة هاتفية، لكن ذلك لم يحدث أبدًا.
وتحت ضغط من المعارضة في الهند، كان مودي مترددًا في وضع نفسه في موقف يمكن أن يتعرض فيه للانتقاد العلني من ترامب.
ويفسر موكيش آجي، رئيس منتدى الشراكة الإستراتيجية الأمريكية الهندية، هذا التردد قائلًا: "قدم رئيس الوزراء نفسه كقائد قوي، وعندما تقدم نفسك كقائد قوي، فإنك لا تريد أن تتعرض للتوبيخ من قائد دولة أخرى، وإذا تعرضت للتوبيخ فإنك ترد بالمثل".
عوامل الفشل والمقارنات الدولية
رفضت الهند، التي تعرضت لأعلى الرسوم الجمركية في العالم، تقليل جميع حواجزها التجارية، وفقًا لمسؤول في الإدارة الأمريكية تحدث لـ"بوليتيكو".
وازداد التباين وضوحًا عندما عرضت دول أخرى مثل إندونيسيا صفقات تقلل العديد من معدلاتها إلى الصفر.
وأوضح الشخص المقرب من الإدارة: "تمكن الرئيس من جعل عدد من البلدان تذهب إلى الصفر، أو قريبًا من الصفر في حالات أخرى، وعندما نظر إلى العرض الهندي، أدرك الفريق أنه غير كافٍ تمامًا".
كما أشار مسؤولو إدارة ترامب إلى أن الولايات المتحدة وقعت اتفاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية دون مكالمات بين القادة.
أزمة النفط الروسي والعقوبات المضاعفة
تفاقمت الأزمة عندما فرض ترامب، الذي أصبح محبطًا بشكل متزايد من روسيا بسبب هجماتها المستمرة على أوكرانيا، رسومًا جمركية إضافية بنسبة 25% على الهند بسبب استمرارها في شراء النفط الروسي.
واشترت الهند نفطًا روسيًا بقيمة 52.7 مليار دولار العام الماضي، وقامت بتكرير بعضه وإرساله إلى أوروبا.
تحتج الهند على أنها تُستهدف بشكل غير عادل، وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية راندير جايسوال: "من المؤسف للغاية أن تختار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على الهند بسبب إجراءات تتخذها عدة دول أخرى أيضًا لصالحها الوطني".
وتشير الهند إلى أن مشترين آخرين للطاقة الروسية مثل الاتحاد الأوروبي وتركيا لم تتم معاقبتهما.
آفاق المستقبل وسط التوترات
رغم الأزمة الحالية، تستمر المحادثات التجارية بين البلدين، إذ يمكن لاتفاق قبل الموعد النهائي الجديد في 27 أغسطس أن يمنع الهند من مواجهة الرسوم الجمركية الكاملة.
وأكد "آجي" أن "الرئيس (ترامب) لم ينتقد رئيس الوزراء (مودي)، وقال دائمًا إنه صديقي، ولم تأتِ انتقادات حتى الآن من هذا المنظور، لذا أعتقد أن ذلك بالتصميم أيضًا للحفاظ على خط التواصل مفتوحًا".
وحذر آجي من خطورة الوضع قائلًا: "نحن في وضع الآن حيث هو منزعج تمامًا من الهند، و25 عامًا من الجهود لبناء علاقة يبدو أنها تنهار في 25 ساعة، نحتاج لوقف هذا بطريقة ما لأن العلاقة بالغة الأهمية للدولتين".