يواجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، مفترق طرق استراتيجي، بين الاستسلام لرغبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أم المضي قدمًا في شراء النفط الروسي، بحسب صحيفة "تايمز البريطانية".
وبالنسبة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فإن مواجهة الهند محفوفة بالمخاطر، ففرض المزيد من الرسوم الجمركية على الهند قد يدفع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان نحو الصين، بل وقد يرفع سعر البنزين للمواطن الأمريكي العادي.
أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة شاملة على الهند، فبالإضافة إلى ضريبة الـ 25% المستحقة يوم الخميس، أعلن ترامب عن ضريبة أخرى بنسبة 25% ستدخل حيز التنفيذ خلال 21 يومًا، كعقاب على رفض الهند وقف استيراد النفط والغاز الروسيين.
أصبحت الهند أكبر مشترٍ للنفط الروسي بعد غزو أوكرانيا في عام 2022، وانتقلت نيوديلهي من الاعتماد الضئيل على الطاقة الروسية إلى تلبية ما يقرب من 50 في المئة من احتياجاتها من النفط الخام من قبل موسكو، وهي زيادة قدرها عشرة أضعاف.
ووصفت وزارة الخارجية الهندية هذه الخطوة بأنها "غير عادلة وغير مبررة وغير معقولة"، وقالت في بيان: "من المؤسف للغاية أن تختار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على الهند بسبب إجراءات تتخذها العديد من الدول الأخرى أيضًا لصالح مصلحتها الوطنية".
كما أعرب المحللون عن اندهاشهم، بعد ما قال سيدهارث رايميدهي، الباحث في مجلس أبحاث الدفاع الاستراتيجي في دلهي: "هذه هي المرة الأولى في تاريخ الهند المستقلة التي يطلب فيها رئيس أمريكي إظهار التبعية علنًا".
ويغاير ترامب، سياسية الرئيس السابق جو بايدن، بعد أن صرحت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية في عهد جو بايدن، في نوفمبر2022 بأن الولايات المتحدة "سعيدة" باستمرار الهند في شراء النفط الروسي بالقدر الذي تريده.
وفي فبراير من العام الماضي، صرّح جيفري بيات، مساعد وزير الخارجية، قائلاً: "لقد لعبت الهند دورًا محوريًا في جهود استقرار أسواق الطاقة العالمية من خلال مشترياتها من النفط الخام الروسي".
وتنظر الهند إلى أمريكا، على أنها هي نفسها تواصل الاعتماد على روسيا، من خلال استيراد سداسي فلوريد اليورانيوم الروسي لصناعتها النووية، والبلاديوم لصناعة السيارات الكهربائية، والأسمدة والمواد الكيميائية المختلفة.
الهند والولايات المتحدة - اللتان تتجاوز قيمة تجارتهما الثنائية 190 مليار دولار - لهما خلافات تاريخية لا يمكن حلها، شهدت العلاقات بينهما الهندية الأمريكية توترًا متزايدًا منذ أن ادّعى ترامب الفضل في الوساطة خلال الاشتباكات الأخيرة بين الهند وباكستان.
رفضت الهند ضمنيًا منح ترامب الفضل، بينما شكرته باكستان علنًا، كان موقف الهند أنها تفاوضت مباشرةً مع باكستان، لكن في حال فشل المفاوضات، يكمن الخطر في أن تتجه أكبر ديمقراطية في العالم نحو روسيا والصين.
بدأت المحادثات بالفعل بين الجارتين، اللتين لطالما كانتا على خلاف، ومن المتوقع أن يزور مودي الصين هذا الشهر لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وهي أول زيارة له إلى البلاد منذ اشتباكات جالوان عام 2020، وسينضم إليه شي جين بينج وفلاديمير بوتين، من بين آخرين. ومن المقرر أن تبدأ القمة في 31 أغسطس.
وطلبت الحكومة الهندية من الوزراء دراسة العروض الإضافية التي يمكن تقديمها للولايات المتحدة قبل المفاوضات المقررة نهاية الشهر الجاري. ويرى محللون أن مصافي النفط الهندية ربما بدأت بالفعل في خفض مشترياتها من النفط الروسي.
وفي الوقت نفسه، قد تلتزم الهند أيضًا بشراء المزيد من الأسلحة الدفاعية من الولايات المتحدة مع بقاء الأمل في التوصل إلى حل دبلوماسي.
وتخلق الضريبة الإضافية ضريبة فعالة بنسبة 50% على الواردات من الهند إلى الولايات المتحدة، وهو ما من شأنه أن يلحق ضررًا أكبر بكثير بالاقتصاد الهندي مقارنة بالضرر الذي قدّرته نيودلهي بنسبة 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة للضريبة بنسبة 25% التي أعلنها ترامب الأسبوع الماضي.
من المرجح أيضًا أن تقع الهند ضحية تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على صناعة الأدوية العالمية. وقد صدّرت الهند منتجات دوائية إلى الولايات المتحدة العام الماضي بقيمة تقارب 9 مليارات دولار.
استفادت الهند من خفض روسيا لأسعار الطاقة في سعيها لإيجاد أسواق جديدة منذ فرض عقوبات مالية شاملة عليها إثر حرب لأوكرانيا، لكن الانخفاض الأخير في أسعار الطاقة العالمية يعني أن متوسط سعر برميل النفط الروسي أصبح أقل بنحو 4 دولارات فقط من خام برنت، وهو معيار عالمي لتسعير النفط، وفقًا لشاه.
دفع هذا التخفيض المتناقص بعض مصافي التكرير العامة الهندية إلى تقليص وارداتها من روسيا، إلا أن الحكومة ظلت متحدية في وجه تهديدات ترامب المتصاعدةـ وصرح محللون في شركة تينيو، المتخصصة في استشارات المخاطر السياسية، بأن مصافي التكرير الخاصة تواصل عمليات الشراء الروسية دون انقطاع، وأن "الاستثمارات الروسية المستمرة في الهند تشير إلى أن العلاقات طويلة الأمد في مجال الطاقة ستبقى على حالها".