الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

80 عاما منذ "هيروشيما وناجازاكي".. العالم لا يزال على حافة الدمار النووي

  • مشاركة :
post-title
صورة أرشيفية تظهر قاعة الترويج الصناعي التابعة لمحافظة هيروشيما المدمرة بعد القصف النووي

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

بعد نحو ثمانية عقود من إلقاء الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، تشهد الساحة الدولية تصاعدًا مقلقًا في عدد الأزمات التي تضع القوى النووية في مواجهة مباشرة، وسط تآكل ملحوظ في خطط منع الانتشار النووي، بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.

التصعيد الأخير المتمثل في إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نقل غواصتين نوويتين إلى "مناطق مناسبة"، ردًا على تصريحات روسية، أعاد التذكير بأن "السلاح الأقصى" حاضر دائمًا في بيئة الأمن المتقلبة التي يعيشها العالم اليوم، وفقًا لتحليل نشرته المجلة.

بؤر التوتر النووي

تمتد بؤر التوتر النووي اليوم عبر قارات متعددة، إذ تقف القوى المسلحة نوويًا على جانبين متضادين في صراعات ومواجهات تشمل أوروبا وجبال الهيمالايا وشبه الجزيرة الكورية.

وفي منطقة الشرق الأوسط، تتفاقم التوترات بين القوى النووية، وتشير التقارير إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة وجهتا ضربات عسكرية في يونيو الماضي ضد المنشآت النووية الإيرانية، ما ألحق أضرارًا بالقدرات النووية لطهران، وبينما تملك تل أبيب ترسانة نووية غير معلنة رسميًا، تشير التقديرات إلى أن طهران قد تسعى لإعادة بناء برنامجها النووي، ما يزيد من حدة السباق النووي في المنطقة.

هذا التطور المقلق يأتي في ظل جمود شامل تشهده محادثات الحد من التسلح، ما يجعل من الضروري وضع آليات عاجلة لخفض التوترات بين القوى النووية وبناء أطر عملية لإدارة الاحتكاكات المتزايدة فيما بينها.

إستراتيجيات التهديد والردع

تتنوع أساليب استخدام التهديدات النووية حسب طبيعة كل صراع إقليمي، ففي الجبهة الأوروبية، تواصل روسيا استخدام سياسة التلويح النووي بشكل منهجي ومتكرر، هادفة من وراء ذلك إلى إبعاد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي عن دعم أوكرانيا وتقييد حجم المساعدات العسكرية المقدمة لكييف.

وعلى الجانب الآخر من العالم، وتحديدًا في منطقة جنوب آسيا، أدى هجوم في إقليم كشمير، في أبريل الماضي، إلى اندلاع نزاع مسلح مباشر بين الهند وباكستان، ما أثار مخاوف دولية واسعة من احتمالية تطور الوضع إلى مواجهة نووية مدمرة.

ويؤكد محللو "فورين بوليسي" أن هناك خطرًا حقيقيًا في أن تكون الأعمال العدائية المستقبلية في هذه المناطق أكثر حدة وتدميرًا.

رغم خطورة هذه التطورات، لا يزال منطق الردع النووي يلعب دورًا في الحد من تصاعد الأزمات إلى نقطة اللاعودة، فعلى سبيل المثال، تجنبت روسيا اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة مع دول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مثل استهداف الإمدادات العسكرية المتجهة إلى أوكرانيا، وهو ما كان يمكن أن يؤدي إلى حرب شاملة مع تلك البلدان.

وبالمثل، وعلى الرغم من التصاعد السريع والمقلق للأزمة الهندية الباكستانية الأخيرة، أكد مسؤولون في منطقة جنوب آسيا، أن البلدين يدركان جيدًا "قواعد اللعبة" التي تضمن بقاء صراعاتهما المتقطعة دون عتبة الاستخدام النووي المدمر.

مخاطر جديدة ومعقدة

الوضع الراهن يشهد تعقيدات متزايدة تزيد من احتمالات التصعيد الخطير، ففي أوروبا، يبدو أن حلف الناتو وروسيا يدخلان في سباق تسلح، وبينما من الضروري أن تعزز الدول الأوروبية دفاعاتها في ظل عدم اليقين حول مستقبل الالتزامات الأمنية الأمريكية، فإن هذا التطور قد يؤدي إلى مزيد من التلويح النووي الروسي.

وفي تطور آخر مثير للقلق، قدمت روسيا دعمًا متزايدًا لكوريا الشمالية في مقابل مساندة من الأخيرة لها ضد أوكرانيا، ما أدى عمليًا إلى إنهاء التعاون المحدود بين موسكو وواشنطن لكبح الطموحات العسكرية النووية لبيونج يانج، ما يجعل من الأخيرة خصمًا عسكريًا أكثر خطورة، خاصة مع استخدام روسيا حق النقض في مجلس الأمن الدولي لمنع المراقبة الأممية للعقوبات المفروضة على البرامج النووية.

يسلط التحليل الضوء على التحديات الجدية التي تواجه النظام الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية، فرغم أن هذا النظام نجح تاريخيًا في تقييد انتشار الأسلحة النووية بشكل فعال خلال حقبة من الزمن، فإنه يشهد حاليًا تآكلًا واضحًا ويظهر فعالية محدودة في المواقف التي تتجاذب فيها القوى الكبرى في اتجاهات متضاربة.

ويؤكد خبراء "فورين بوليسي" على أهمية قيام الدول المعنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، باتخاذ إجراءات عاجلة لتقليل مخاطر تصاعد الأزمات المحلية إلى مستوى التهديد النووي، ما يتطلب التعامل ليس فقط مع الأسلحة النووية ذاتها، بل أيضًا مع الاحتكاكات السياسية والتوترات العسكرية التقليدية التي قد تدفع الأطراف المتصارعة نحو التفكير في الخيار النووي.

تحسين قنوات التواصل

تتمثل إحدى الخطوات العملية والقابلة للتنفيذ فورًا في تحسين آليات التواصل بين الدول المسلحة نوويًا، وهو درس مهم مستفاد من تجربة الحرب الباردة عندما أقامت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خطوطًا ساخنة للطوارئ، نجحت في منع تصاعد العديد من الأزمات الخطيرة.

وبينما تحتفظ الولايات المتحدة وروسيا حاليًا ببعض قنوات التواصل التي مكنتهما من تنظيم عمليات تبادل الأسرى وحتى إجراء مفاوضات مباشرة أحيانًا، فإن الاتصال العسكري الرسمي بين الناتو وروسيا غير موجود تمامًا.

وفي منطقة جنوب آسيا، كان التواصل العسكري رفيع المستوى بين الهند وباكستان خلال الصراع الأخير مُعرقَلًا بفعل انعدام الثقة المتبادل والغياب التام لأي قنوات دبلوماسية رفيعة المستوى.

وتوضح "فورين بوليسي" أن وجود قنوات تواصل واضحة وموثوقة مُعدة مسبقًا يمكن أن يساعد جميع الأطراف على إرسال إشارات واضحة بشأن التزامهم بمنع التصعيد وتهدئة الأزمات بسرعة قبل خروجها عن السيطرة.

دور الوكالة الدولية

على المدى الطويل، تبرز الحاجة الماسة لتعزيز آليات منع الانتشار النووي العالمية ودعم مؤسساتها الرئيسية، إذ لعبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية دورًا محوريًا في تقديم تقارير دورية عن البرنامج النووي الإيراني، لكن طهران تنظر بشكل متزايد إلى هذه الوكالة باعتبارها أداة للتدخل الغربي في شؤونها الداخلية.

يؤكد التحليل إجمالًا أهمية تحرك القوى المؤثرة للتحدث علنًا لدعم الولاية المهنية وغير السياسية للوكالة الدولية ومعايير منع الانتشار النووي، وذلك لتعزيز مصداقيتها واستمرار فعاليتها في أداء مهامها الحيوية.