كشفت تقييمات استخباراتية أمريكية حديثة أن الضربات الأمريكية على إيران، الشهر الماضي، ضمن عملية "المطرقة الليلية" لم تحقق الدمار الكامل للبرنامج النووي الإيراني كما ادعت إدارة الرئيس دونالد ترامب، إذ تم تدمير منشأة واحدة فقط من أصل ثلاث منشآت نووية رئيسية، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز".
النجاح الوحيد المؤكد
أكد مسؤولون أمريكيون ومساعد برلماني مطلع على الإحاطات المقدمة للمشرعين أن منشأة فوردو النووية كانت المنشأة الوحيدة التي تم تدميرها بالكامل من بين المنشآت الثلاث المستهدفة، إذ استخدمت قاذفات B-2 الشبحية الأمريكية 12 قنبلة اختراق أرضية ضخمة أُلقيت عبر فتحات التهوية في المنشأة تحت الأرضية، كما ذكرت "نيويورك تايمز".
وأوضح المساعد البرلماني أن "الهدف من انهيار البنية التحتية المدفونة بعمق في فوردو يبدو أنه نجح"، مضيفًا أن الثقة في هذا التقييم تعززت بالفهم الدقيق للمنشأة من قبل مخططي الحرب الأمريكيين الذين طوروا برنامج قنابل اختراق المخابئ وزن 30 ألف رطل استجابة للجهود الإيرانية لحفر الموقع داخل الجبل.
فوردو هي إحدى المنشأتين الرئيسيتين في إيران، حيث تم تركيب آلاف أجهزة الطرد المركزي سريعة الدوران لتنقية اليورانيوم.
لكن تظل هناك مجهولات مهمة، بما في ذلك ما إذا كانت أجهزة الطرد المركزي في أعمق مستويات فوردو قد دُمرت أو أصبحت غير صالحة للعمل، أو إذا كانت قد نُقلت قبل القصف.
وقال المساعد البرلماني: "إذا لم تكن موجودة، فإنهم يعودون إلى العمل.. هذا هو المكون الأساسي لإثراء المواد".
نتائج غامضة ومعقدة
بالنسبة للمنشأتين الأخريين، أصفهان ونطنز، فإن المعلومات حول فعالية الضربات أقل وضوحًا، إذ لم تستخدم قنابل اختراق المخابئ في موقع أصفهان، أكبر مجمع للبحوث النووية في إيران، لأن البنتاجون قيّم أنها "منيعة إلى حد كبير"، كما نقلت نيويورك تايمز عن المساعد البرلماني.
أصفهان تحتوي على مخابئ مدفونة بعمق أكبر، وتحت صخور أصلب، من التضاريس في فوردو.
بدلاً من ذلك، أطلقت غواصة أمريكية سلسلة من صواريخ توماهوك الكروز لتدمير الأهداف السطحية.
وبالمثل، استهدفت الطائرات الإسرائيلية المباني في منشأة نطنز، منشأة التخصيب النووي الرئيسية الأخرى في إيران، في الأيام السابقة للضربة الأمريكية.
ثم قصفت قاذفات B-2 الشبحية موقع نطنز بقنبلتين من نوع"Massive Ordnance Penetrator"، ما أدى لتدمير بعض الغرف تحت الأرضية.
وقال المساعد البرلماني إنه "لا يوجد سبب للشك في أن المنشآت تحت الأرضية في نطنز دُمرت"، لكن الصورة الاستخباراتية اللاحقة هناك أقل قوة مما هي عليه في فوردو.
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه من المهم ملاحظة أن تقييمات أضرار القصف تتطور عادة مع مرور الوقت عند الحصول على معلومات جديدة، وحقيقة أن العديد من المنشآت النووية الإيرانية عميقة تحت الأرض تعقد الحصول على صورة كاملة لحالتها.
تضارب بين التصريحات الرسمية والحقائق على الأرض
رغم هذه التقييمات الاستخباراتية، ظل البنتاجون والبيت الأبيض يحتفظان بموقف مختلف تمامًا، إذ قال المتحدث الرئيسي باسم وزارة الدفاع الأمريكية شون بارنيل في بيانٍ: "المنشآت النووية الإيرانية في فوردو وأصفهان ونطنز دُمرت بالكامل والكلية.. لا شك في ذلك"، مؤكدًا للصحفيين في وقت سابق من الشهر أن البرنامج الإيراني تأثر بـ"سنة إلى سنتين".
من جهتها، واصلت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي، أمس الخميس، التأكيد على أن الضربات الأمريكية المعروفة باسم عملية "المطرقة الليلية" قضت على البرنامج النووي الإيراني كتهديد، قائلة: "كما قال الرئيس وأكد الخبراء، عملية المطرقة الليلية أبادت قدرات إيران النووية بالكامل.. أمريكا والعالم أكثر أماًن بفضل عمله الحاسم".
وقال مسؤول أمريكي مطلع على التقييمات الاستخباراتية: "لا يمكننا بالتأكيد القول أنه تم إبادته"، في إشارة إلى البرنامج النووي الإيراني.
كما انتقد المساعد البرلماني الإدارة قائلًا: "يبدو وكأنه خطأ غير مبرر من جانب الإدارة أن تحتفل وتدعي النصر عندما لم تكن بحاجة إلى ذلك".
تحديات مستقبلية وسيناريوهات متوقعة
يتفق المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون والخبراء النوويون على أن الضربات على البنية التحتية النووية الإيرانية ألحقت أضرارًا كبيرة بالبرنامج، لكن دون مزيد من المعلومات، بما في ذلك مصير مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت إيران تستطيع استئناف مسيرتها نحو القنبلة ومدى سرعتها، إذا اختار قادتها ذلك.
يعتقد خبراء أنه إذا كانت إيران ستسعى الآن لتطوير سلاح نووي فسيعتمد ذلك على كيفية استجابة طهران وواشنطن في الأسابيع والأشهر المقبلة.
وتقول سيما شاين، الخبيرة في الشؤون الإيرانية والمسؤولة السابقة في الموساد الإسرائيلي: "لا يوجد سبب للاعتقاد أنهم لن يسعوا لتطوير سلاح نووي الآن"، مضيفة أن الإيرانيين "يريدون القنبلة... الردع النووي"، لكنهم "يعرفون الثمن" الذي قد يدفعونه لاستئناف النشاط النووي"، في إشارة إلى الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية المحتملة.
أشارت "شاين" إلى أن الإجراءات العسكرية والسرية الإسرائيلية قتلت أيضًا العديد من كبار العلماء النوويين الإيرانيين، وقضت على ما يصل إلى نصف قاذفات الصواريخ الباليستية، ودمرت مواقع أخرى لبناء أجهزة الطرد المركزي لإثراء اليورانيوم.