في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، الذي هز لبنان والعالم، تتزايد التأكيدات الرسمية اللبنانية بضرورة تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين، وسط مؤشرات قوية على اقتراب المحقق العدلي طارق البيطار من إصدار القرار الاتهامي بعد تجميد دام 3 سنوات.
تعهدات رسمية
شدد الرئيس اللبناني جوزيف عون، على أن "الدولة اللبنانية، بكل مؤسساتها، ملتزمة بكشف الحقيقة كاملة، مهما كانت المعوقات ومهما علت المناصب، فالعدالة لا تعرف الاستثناءات، والقانون يطال الجميع دون تمييز".
وتوجه عون إلى عائلات الشهداء والجرحى، قائلًا: "إن دماء أحبائكم لن تذهب سدى، وآلامكم لن تبقى بلا جواب، فالعدالة آتية، والحساب آت، وهذا وعد قطعته على نفسي أمام الله والوطن".
من جهته، أكد رئيس الحكومة نواف سلام، أنه "لا أحد فوق المحاسبة" في قضية انفجار مرفأ بيروت.
وقال "سلام"، وفقًا لصحيفة "نداء الوطن": "لا تسوية على حساب العدالة. لا غطاء فوق رأس أي مسؤولية. ولا نهاية لهذا الجرح الوطني إلا بكشف الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين، كل المسؤولين أمام القضاء".
وأضاف "سلام"، أن "معرفة حقيقة انفجار مرفأ بيروت ومحاسبة المتورطين قضية وطنية جامعة"، مؤكدًا أن "المطالبة بالعدالة في تفجير مرفأ بيروت تؤمن بناء الدولة العادلة".
لائحة اتهام وشيكة
تشهد التحقيقات القضائية تطورًا حاسمًا، إذ كشفت تقارير صحفية لبناية، أن قاضي التحقيق طارق البيطار، أوشك على إصدار قرار الإحالة للمحاكمة.
وتشير المصادر القضائية، للتقارير الصحيفة اللبنانية، إلى أن "المدة المتبقية لإصدار القرار لن تتجاوز الأشهر الثلاثة، دون أن يتضح ما إذا كان القرار سيقتصر على إطار الإهمال الإداري أم أن البيطار توصل إلى حقائق تؤكد أن ما حدث كان تفجيرًا متعمدًا وليس انفجارًا عارضًا".
وأوضح مصدر قضائي متابع لإجراءات قاضي التحقيق أن البيطار "أوشك على إنهاء التحقيق وإحالة الملف إلى النيابة العامة لدراسته قبل إصدار لائحة الاتهام النهائية".
ويستعد البيطار لإعلان انتهاء التحقيق في الملف، بعدما عقد عشرات الجلسات في الأشهر الأربعة الماضية، استجوب فيها سياسيين وقادة أمنيين وعسكريين وقضاة وكبار موظفي الميناء.
تجاوز العقبات واستئناف التحقيقات
دخل ملف الميناء في حالة تجميد منذ 24 ديسمبر 2022، بسبب دعاوى قضائية للطعن في صلاحية البيطار قُدمت ضده، حتى وصلت 43 دعوى.
وعلى إثر هذا التعطيل، أصدر البيطار، 23 يناير 2023، مذكرة قانونية اعتبر فيها أن "قاضي التحقيق لا يمكن الطعن في صلاحيته أو إقصاؤه عن الملف"، وأعلن تجاوز كل هذه الدعاوى واستئناف التحقيق.
كما كشف مصدر قضائي أن "استئناف التحقيق جاء تنفيذًا مباشرًا لما تعهد به رئيس الجمهورية جوزيف عون، عقب انتخابه، بأنه سيعمل على استكمال التحقيقات، وحل العقبات التي أوقفت الملف"، مشيرًا إلى أن "النتيجة الأولى لذلك تمثلت في إعلان المدعي العام القاضي جمال الحجار استئناف التعاون مع قاضي التحقيق وتنفيذ الأوامر التي يصدرها".
استجواب كبار المسؤولين
استجوب البيطار جميع المتهمين من سياسيين وقادة عسكريين وأمنيين، أبرزهم رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، والمدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام السابق لأمن الدولة اللواء طوني صليبا.
في المقابل، رفض أربعة الحضور للاستجواب، هم الوزيران السابقان النائب الحالي علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، صدرت بحقهما مذكرتا اعتقال غيابيًا"، والنائب الحالي غازي زعيتر، والمدعي العام السابق القاضي غسان عويدات.
وتوقع المصدر القضائي أن "يستدعي قاضي التحقيق كل الذين استجوبهم بعد استئناف تحقيقاته ويطلب منهم الحضور أمامه، ويبلغهم القرارات التي سيتخذها بشأنهم، وهذه القرارات تتراوح بين من يتم الإفراج عنه بكفالة ومن يُبقى رهن التحقيق ومن يصدر بحقه أمر اعتقال".
فعاليات لحفظ الذاكرة
تشهد بيروت اليوم فعاليات إحياء الذكرى الخامسة تحت شعار "مرت خمسة أيام وأصبحت خمس سنوات"، إذ تنطلق مسيرتان من ساحة الشهداء ومقر إطفاء بيروت للوصول عند الخامسة والنصف أمام صوامع المرفأ حيث ستتلى أسماء الضحايا وتلقى كلمات باسم الأهالي، كما سيقام قداس في كنيسة مار يوسف بالأشرفية يرأسه المطران بولس عبد الساتر.
وفي خطوة رمزية مهمة، وقع وزير الثقافة غسان سلامة، قرارًا يقضي بإدراج صوامع ميناء بيروت على قائمة المباني التاريخية في لبنان، "لحمايتها من أي قرار بالهدم، وتثبيت رمزيتها في الذاكرة الجماعية اللبنانية".
كما افتتح رئيس الوزراء نواف سلام، مراسم إطلاق اسم "شارع ضحايا الرابع من أغسطس" على أحد الشوارع القريبة من مدخل المرفأ.
ويحيي الأهالي الذكرى وسط آمال متجددة بأن تحمل الأشهر المقبلة الإجابات المنتظرة حول الانفجار، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 232 شخصًا وإصابة آلاف آخرين ودمر نصف العاصمة بيروت.