مع صباح كل جمعة، تستيقظ والدة لارا حايك، على أمل جديد، تتجه إلى المستشفى الذي ترقد فيه ابنتها منذ 3 سنوات كاملة، 1095 يومًا، قضتها في غيبوبة، تأمل والدتها أن تتحقق المعجزة وأن تعود إليهم ثانيةً.
"لارا" واحدة من ضحايا انفجار مرفأ بيروت، الذي كانت أمس ذكراه الثالثة، والذي تسبب في مقتل نحو مئتي شخص وخلف آلاف الضحايا، وحتى اليوم لم يتم الكشف عن المتسببين في تلك الكارثة.
في الرابع من أغسطس، ومنذ 1095 يومًا تحديدًا، لا تزال صرخات الأهالي حاضرة، والعدالة غائبة، قصص تروى وآلام يعيشها الأهل والضحايا، ولا قصاص يُعيد حقوقهم، والمجرم طليق والتحقيقات متوقفة.
تحكي والدة لارا، كيف أُصيبت ابنتها، وكيف ظلت على مدار 3 سنوات، تأمل وتفقد الأمل، كيف تشعر في كل مرة ترى فيها ابنتها على فراش المرض دون حراك: "لارا انصابت بالانفجار وهي كانت ببيتها وبفرشتها كانت الإصابة بالجزء الأيسر على العين وعلى الدماغ لما أخدناها للمستشفى لنعالجها كانت ما عرفوا إنه فيه نزيف داخلي فكروا بس العين اللي مصابة".
فجأة توقف قلب لارا، حاول الأطباء إنعاشه: "حاولوا ينعشوا القلب اتأخر الأكسجين ليطلع على الدماغ، وهذا سببلها تلف في الدماغ وكانت الغيبوبة أصابتها بذات الليلة بذات الساعة بذات النهار، ومن ذلك النهار ونحنا عم نعاني بالمستشفى مع لارا".
نقلت لارا إلى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيرت، حاولوا علاجها، إلا أن دماغها لم يستجب، واستمرت المحاولات لشهرين، وبعدها اضطر الأطباء لفتح مسار تغذية من رقبتها على معدتها مباشرة: "لأنه دماغها ما بقى عم يشتغل وهادي معاناتنا مع لارا نقلناها من بعد الشهرين للعلاج في مستشفى تاني اسمه بحنس هو بيعالج كل القضايا المستعصية، وهو من أعظم مستشفيات لبنان وحطينا لارا فيه لتاريخ اليوم بعدها بالمستشفى".
بصوت بدا الحزن عليه، وملامح غلفها الأسى، تقول والدة لارا لـ"القاهرة الإخبارية": "طوال الثلاث سنوات كانت معاناة جدًا أليمة لي كأم كل جمعة بدي أطلع عندها نام عندها وأشوفها وأحاكيها وأحس فيها وارجع اجي انزل على بيروت على بيتي وارجع أطلع أنا وأخوها والعيلة نشق عليها ونجرب نحاكيها ونعطيها روح، ولكن ما في أي تجاوب".
تفقد الأسرة الأمل كل يوم في عودة ابنتها لكنهم لا يزالون ينتظرون المعجزة: "كل ما نطلع وما نلاقي تجاوب أكيد الأمل بيروح من راسنا ونبلش البكى وحالة الوجع كأم عم تفقد بنتها كيف عم تروح من بين إيديها بنت كانت مثل الفرحة كلها حياة كلها فرح بالبيت وفراشة بالبيت وذكية ومحبوبة، كيف تروح هيك بخمس دقائق 5 وتلت دخلت بيتها والانفجار 6 و5، راحت لحد اليوم".
لم تجد الأم تشبيهًا لما تعيشه سوى أنه فيلم رعب: "فيلم مرعب ما إله نهاية كل يوم نطلع نشوفها، وكل ما أشوفها بحس إنها نهايتي مش نهايتها الوضع كتير مؤلم وكتير حساس وبيبكي شو بدي أحيكي عندها 44 سنة تنام على سرير عبارة عن عضام ما في غير قلب بيدق ما في دماغ ما بتحس فيه إلا بصلة الأمومة هادي بتحسسها إني أنا موجودة حدها بفقد الأمل برجع أقول يارب أنت موجود برجع أقول لا فيه أعاجيب بنقول كتير خير الله بعدها موجودة بعدها معنا بتحس فيها بنحس فيها ونبوسها وهذا كله ما بيشفي غليلنا".
تأمل الأم في عودة ابنتها، تصلي لأجلها: "عم بنصلي لأجلها نحنا بدنا ياها ترجع فرحتي كلها إذا بترجع بنتي من تاريخ ما فاتت لارا حسيت حالي إني صرت إنسانة تانية ما بقى عندي فرح بقلبي ما بقى عندي أمل ما بقى عندي شعور بالأمان فقدت كل الاطمئنان والسلام إنه نحنا قاعدين ببيتنا وتروح البنت من نص فرشتها كتير صعبة، مهما حكيت كأم ما بقدر أعبر عن شعور الأم والقلب عم بيبكي دم على بنت مثل لارا لأنه الضنى غالي والأمومة كتير بتبكي".
مع مرور 3 سنوات، لم تجد الأسرة ما يشفي غليلها، فالجاني والمتسبب في الحادث، لم يقدم للمحاكمة: "أنا رسالتي ورسالة كل الضحايا طالبين العدالة ترجع هالضحايا عالقليل لنشفي غليلنا ها الضحية راحت من حياتنا على الأقل نعرف نفهم وإيه السبب اللي خلى ولادنا يدفعوا ثمن أغلاط مسؤولين كبار مسببوا في دمار نص بيروت مع الأولاد والعيال نشفوا دموعي نشفوا ما بقى عندي دموع صار عندي وجع قلب وغصة وكآبة وحزن الدنيا معتمة بوجهي ما عندي أمل ولا فرح هذا اللي خلونا نوصله بعد ما فقدنا ولادنا الله من عنده يرحمها ويرحم شبابها".
إلياس حايك شقيق لارا، يحكي عنها وكيف كانت: "لارا كانت مليانة حياة مليانة فرح كانت اللي بتضيف فرح وحب لكل الناس اللي حواليها خدمت ناس وساعدت أشخاص لحد هلا بيحكونا وبيقولونا ما بننسى لارا شو عملت معنا واحنا ما كنا عارفين لا نحنا ولا أمي، لارا هي الحنية هي الأخت الحنونة هي الكرم والعطاء هي اللي بتشيل من جيبتها هي اللي بتدين وتساعد كان كلها حياة كانت عم تبني مستقبلها من جديد صار عندها مشكلة بحياتها الزوجية، رجعت تبني حياتها من جديد ووقفت وبلشت تشتغل بتذكر قبل يوم أو يومين من الانفجار كنت أنا وياها كان عندها انترفيو كان بدها تشتغل".
لم تعد حياة الأسرة كما كانت منذ الحادث، فقدوا الأمل يومًا تلو الآخر: "الأمل ضعيف بس الشيء الوحيد اللي بيديك الأمل ما إلنا غير عدالة السماء هي اللي متكلين عليها".
يطالب شقيق لارا كحال غيره من أسر الضحايا بتقديم الجناة للمحاكمة: "رسالتي للمسؤولين يسمعوا كل أهالي شهداء الانفجار، وأهالي الضحايا، إحنا ما بقى عندنا أمل بهيك منظومة، ورسالتي للعالم إنهم يقدموا صور الأقمار الصناعية".
إلياس خوري، ضحية أخرى لانفجار مرفأ بيروت، فقد حياته بعمر 15 عامًا، واليوم وبعد 3 سنوات، مازالت والدته تنادي بالعدالة: "رسالتي إنه هذه القضية مش لازم تمر هذه جريمة ضد حقوق الإنسان فكل مسؤول بيأمن بحقوق الإنسان وبيأمن بكرامة الإنسان مش لازم يسمح إن هذه القضية تمر بدون محاسبة، وإلا ما بقي فيه عدالة ولا حقوق إنسان".
تتذكر الأم صغيرها الذي فقدته على حين غرة: "إلياس كان عمره 15 سنة، هو حلم لكل أم الله يبعت لكل أم ولد مثله، لإلياس قلب طيب وذكي ولما بيحط شيء براسه بيعمله وكان عنده أحلام كبيرة وكنت عارفة إنه هيحققهم لأنه ما بيحط شيء براسه إلا وحققه ما فيك تشوفه لو مارق على الطريق ما تتطلع بوجهه وتبتسم".
تسعى والدته لتحقيق أحلامه، وأطلقت جمعية إلياس خوري، بهدف تقديم الدعم للطلاب لاستكمال تعليمهم، حتى يصبحوا "مهندسين معماريين"، كما كان يحلم إلياس، تواصل العمل رغم الألم، فالانفجار لم يصب إلياس وحده، بل الأسرة بأكملها التي نجت بأعجوبة، فما زالت شقيقته تحمل شظايا في جسدها، وخضعت لـ 5 عمليات جراحية.
وفي 4 أغسطس 2020 وقع انفجار مرفأ بيروت، بعد اشتعال النيرات في مئات الأطنان من نترات الأمونيوم، ما أدى إلى وقوع انفجار هائل في ميناء المدينة، وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، وإصابة الآلاف وخلف دمارًا واسعًا في المرفأ والعاصمة اللبنانية بيروت.
وتم تخزين المواد الكيميائية لسنوات بشكل غير صحيح، بحسب "سي إن إن".
واليوم خرج وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، هنري خولي، ليؤكد أن القضاء سيصل إلى النهاية المرجوة في جريمة انفجار المرفأ وتتبين جميع الحقائق، مُؤكدًا أنه على يقين، ورغم كل الصعوبات التي تعوق مسار الملف، بأن القضاء سيبين كل الحقائق وفاءً لدماء الشهداء وحماية لحقوق المتضررين، بحسب "سي إن إن".