وسط مشاهد متزايدة لمعاناة المدنيين في قطاع غزة، تواجه إسرائيل موجة غير مسبوقة من الانتقادات الدولية، فيما يتزايد عدد حلفائها الغربيين الذين يعلنون نيتهم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، في خطوة ترمز إلى تحول سياسي عالمي عميق في المواقف تجاه الصراع.
ودفعت صور المجاعة المنتشرة في غزة، والانقسام السياسي داخل الولايات المتحدة وأوروبا، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إرسال مبعوثه الخاص إلى إسرائيل، اليوم الخميس، لأول مرة منذ أشهر، لمعاينة الأوضاع الميدانية وتفقد نظام توزيع المساعدات الغذائية الذي وصفه مراقبون بالفوضوي، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وأثار الوضع الإنساني الكارثي في غزة جدلًا واسعًا بين الأكاديميين والحقوقيين حول ما إذا كانت إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين، في وقت تُظهر فيه استطلاعات الرأي تغيرًا جذريًا في نظرة الشعوب الغربية تجاه تل أبيب، خاصة بين الأجيال الشابة.
غضب نتنياهو
وما كان من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أنه رد بغضب على هذه الانتقادات، معتبرًا التقارير عن المجاعة "مبالغًا فيها"، ومؤكدًا أن "حماس يجب أن تُدمر"، ومتهمًا منتقديه بمعاداة السامية. كما اعتبر أن اعتراف دول غربية بدولة فلسطينية في هذا التوقيت "يُعد مكافأة للإرهاب" على خلفية هجوم حماس، 7 أكتوبر 2023.
غير أن محللين سياسيين تحدثوا للصحيفة الأمريكية أن إسرائيل تسيء قراءة المزاج الدولي. وقال ناتان ساكس، الخبير في السياسة الإسرائيلية، إن "هذه الأزمة ليست مؤقتة كما تعتقد القيادة الإسرائيلية، بل تسرّع تحولًا عالميًا دراماتيكيًا ضد إسرائيل، خاصة بين الشباب".
ومنذ أن منعت إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة، مارس الماضي، بهدف الضغط على حماس لإطلاق سراح الأسرى، ازداد الجوع وعمت الفوضى محاولات إسرائيل إنشاء نظام بديل لتوزيع المعونات، ما تسبب في مقتل العشرات خلال تزاحمهم على شاحنات الغذاء.
رأي سلبي تجاه إسرائيل
وعلى الرغم من دعم ترامب غير المشروط لإسرائيل، إلا أن الرئيس الأمريكي بدا متأثرًا بصور الأطفال الجوعى في غزة وفقًا لـ"نيويورك تايمز"، بينما بدأ بعض مناصريه الأكثر حماسة في التشكيك في جدوى العلاقة مع إسرائيل.
في المقابل، يشهد الشارع الغربي تغيرًا واسع النطاق في مواقفه. فقد أظهر استطلاع أجراه مركز "بيو"، أبريل أن 53% من الأمريكيين بات لديهم رأي سلبي تجاه إسرائيل، بزيادة ملحوظة عن السنوات السابقة.
كما أعرب 19% عن "رأي سلبي جدًا"، مقارنة بـ10% فقط، عام 2022. وتتكرر النتائج السلبية في أكثر من 20 دولة حول العالم، خاصة بين الفئة العمرية الشابة.
وفي السياق ذاته، بدأت دول غربية باتخاذ خطوات رمزية وسياسية نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعترف بفلسطين في الأمم المتحدة، سبتمبر المقبل، وتبعه رئيس الوزراء الكندي مارك كارني. كما وضع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر شرط وقف الحرب قبل سبتمبر للاعتراف الرسمي.
عزلة غير مسبوقة
وإذا ما مضت هذه الدول الثلاث - وهي من حلفاء واشنطن الكبار - في تنفيذ وعدها، فستصبح الولايات المتحدة الدولة الوحيدة الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي لا تعترف بدولة فلسطين، ما سيضعها في موقف حرج دوليًا.
ويشير مراقبون إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي فشل في استيعاب هذه التحولات السياسية والإعلامية. وقال المحلل برنارد أفشاي، إن "إسرائيل راهنت على العولمة، واقتصادها يعتمد على علاقات مع شركاء غربيين. لكن ما يحدث الآن يضرب في صميم علاقاتها العلمية والتجارية".
ويختم المحللون بأن الصورة الحالية تُظهر إسرائيل في طريقها إلى عزلة غير مسبوقة، تُهدد مستقبلها السياسي والدبلوماسي، وتضع علاقاتها مع الحلفاء الغربيين على المحك.