تواجه ألمانيا عزلة متزايدة داخل الاتحاد الأوروبي بسبب رفض المستشار فريدريش ميرز تأييد مقترحات بروكسل لمعاقبة إسرائيل على خلفية الأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة، وسط تحذيرات دولية من خطر مجاعة تهدد سكان القطاع بالكامل.
انتهاك القانون الدولي
اقترحت المفوضية الأوروبية، هذا الأسبوع، وقف أجزاء من اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، محذَّرة من أن الحكومة الإسرائيلية تسببت في "كارثة إنسانية تهدد عمليًا كامل سكان غزة"، وفقًا لصحيفة "بوليتيكو".
وأصدرت المفوضية، الاثنين الماضي، تقييمًا -وُصِف بأنه قاسٍ- يتهم إسرائيل مباشرة بانتهاك القانون الإنساني الدولي بعد أشهر من الدبلوماسية المهذبة، مشيرًا إلى خطر المجاعة التي تهدد سكان غزة بالكامل و"آلاف الوفيات بين المدنيين" وانهيار الخدمات الأساسية.
تدعو الخطة الأوروبية التي عُممت على سفراء الاتحاد، الثلاثاء، إلى التعليق الجزئي لوصول إسرائيل إلى برنامج "هوريزون أوروبا"، الذي يعد البرنامج البحثي الرائد للكتلة الأوروبية، إلا أن المقترح لم يحصل على دعم كافٍ في اجتماع المبعوثين، إذ عارضته ألمانيا وثلاث دول أخرى رغم الطابع الطارئ للوضع.
الموقف الألماني يبدأ في التراجع
رغم المعارضة الألمانية الأولية، تشير التقارير إلى أن موقف ميرز بدأ يتراجع تدريجيًا، إذ قال المستشار الألماني، الاثنين، إن برلين ستنتظر نتائج الزيارة المقررة لإسرائيل الأسبوع المقبل من قِبل وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مضيفاً: "نحتفظ طبيعيًا بالحق في إجراء مناقشات أخرى واتخاذ قرارات إضافية.. نفترض أن الحكومة الإسرائيلية مستعدة تمامًا للاعتراف بأن شيئًا ما يجب فعله الآن".
داخليًا، يواجه ميرز ضغوطًا متزايدة من الحزب الديمقراطي الاجتماعي الشريك في الائتلاف، إلى جانب أجزاء من المعارضة، التي بدأت تشكك في الدعم الألماني غير المشروط لإسرائيل في ضوء أزمة غزة.
وقالت النائبة ديريا تورك-ناخباور، من الحزب الديمقراطي الاجتماعي لصحيفة "بوليتيكو": "أود أن نقرر اتخاذ إجراءات أكثر تحديداً"، مضيفة: "التنسيق على المستوى الأوروبي يعني أيضًا زيادة الضغط مع فرنسا وإنجلترا، وربما عدم عرقلة الإجراءات التي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي".
وكان الحزب الديمقراطي الاجتماعي حثَّ الحكومة رسميًا في يونيو على التوقف عن عرقلة التعليق الجزئي لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل على المستوى الأوروبي.
وأشار مصدر دبلوماسي، لصحيفة "بوليتيكو"، إلى أن "الضغط على ألمانيا قد يأتي أكثر من الأحزاب الداخلية منه من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى"، مؤكدًا أن حتى حزب ميرز (المسيحي الديمقراطي) لم يعد بإمكانه تبرير أو التستر على أفعال إسرائيل.
إيطاليا وهولندا تعيدان النظر في مواقفهما
إيطاليا، التي اصطفت مع ألمانيا في مقاومة خطة المفوضية، تعيد هي الأخرى النظر في موقفها، إذ قال المصدر الدبلوماسي ذاته: "إيطاليا مع ألمانيا، لكن في الواقع كلا البلدين يفكران في تغيير موقفهما، ومناقشات جارية مع الحكومة الإسرائيلية".
وأكدت مصادر دبلوماسية ومسؤولون آخرون في الاتحاد الأوروبي هذا الموقف.
من جهتها، قررت هولندا اتخاذ موقف أكثر حزمًا، إذ أصبحت ثاني دولة في الاتحاد الأوروبي بعد السويد تفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين بمنع عضوين من حكومة نتنياهو من دخول البلاد.
وقال المتحدث باسم وزير الخارجية الهولندية كاسبار فيلدكامب، لصحيفة "بوليتيكو"، إنه بسبب "عدم إحراز تقدم" في الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل حول المساعدات الإنسانية لغزة، قررت هولندا الدعوة لتعليق الفصل التجاري من اتفاقية الشراكة.
وأضاف "فيلدكامب"، في مؤتمر صحفي أمس الأربعاء: "ذلك لأننا نرى أن الخطوات في بروكسل تُتخذ ببطء"، مشيرًا إلى أن هذه "خطوة كبيرة جدًا" بالنسبة لهولندا "البلد الصديق تقليديًا لإسرائيل"، إلا أنه استبعد الاعتراف الأحادي بفلسطين قائلًا: "في هذه اللحظة، لا توجد عملية جارية.. الاعتراف بدولة فلسطينية الآن لن يُحدِث فرقًا كبيرًا على الأرض".
مواقف أوروبية متباينة
تتخذ عدة دول أوروبية مسارات مختلفة حول كيفية التعامل مع الأزمة، إذ تخطط فرنسا وبريطانيا لمسار مستقل، وتستعدان للاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر.
كما طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف الأعمال العدائية وفتح وصول حقيقي لوكالات الإغاثة لتوصيل الطعام والإمدادات الطبية.
أما إيطاليا فتنتظر نتائج اجتماع الأمم المتحدة في سبتمبر قبل تحديد موقفها من الاعتراف، وقال مسؤول إيطالي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: "إذا استمرت حماس في السيطرة على غزة، فإن الإعلان عن الاستعداد للاعتراف الفوري بفلسطين كدولة يبقى مجرد بادرة سياسية رمزية وليس إجراءً عمليًا فعالًا".
وأضاف المسؤول أن إيطاليا "تحتاج لرؤية التطورات السياسية والميدانية خلال الأسابيع المقبلة"، محذرًا من أنه "مع استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية وتفاقم الأوضاع الإنسانية، قد تضطر الحكومة الإيطالية لإعادة النظر في موقفها الحالي والانضمام للدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية".
وفي بلجيكا، تشهد الساحة السياسية انقسامًا واضحًا حول قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذ أعلن وزير الخارجية ماكسيم بريفو أن حكومة بلاده ستؤجل اتخاذ أي قرار حول الاعتراف بفلسطين حتى أوائل سبتمبر على الأقل، وذلك بسبب عدم توصل الأحزاب الخمسة المشاركة في الائتلاف الحاكم إلى توافق حول هذه المسألة الحساسة.
وفي المقابل، تضغط أحزاب المعارضة البلجيكية بقوة على الحكومة لاتخاذ موقف مماثل لفرنسا والاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكن الخلافات الداخلية في الائتلاف الحاكم تمنع اتخاذ قرار سريع.
وعلى النقيض، اتخذت إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي إشارة إلى أن إجماع الاتحاد الأوروبي يتصدع أكثر مع تزايد الضغط لاستجابة أكثر تنسيقًا للحرب في غزة.