تصاعدت الضغوط الدولية على كل من ألمانيا وبريطانيا لتشديد مواقفهما تجاه إسرائيل، وذلك عقب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نية فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبينما أصدر قادة الدول الثلاث بيانًا مشتركًا يدعو إلى إنهاء الحرب في غزة، تواجه حكومات لندن وبرلين ضغوطًا داخلية متزايدة للانتقال من الخطاب إلى الأفعال الملموسة.
دعوة ثلاثية لوقف الحرب
أكد قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك صدر أمس الجمعة أن "الوقت حان لإنهاء الحرب في غزة"، مشددين على ضرورة تلبية "الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين، بما في ذلك الوصول إلى المياه والغذاء، دون أي تأخير إضافي"، وفقًا لما ذكرته صحيفة بوليتيكو.
وأشارت الصحيفة إلى أن ربع سكان غزة يواجهون ظروفًا شبيهة بالمجاعة، بحسب مسؤول في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، مما يضفي طابعًا عاجلًا على الوضع الإنساني المتدهور، وقد تم تأجيل مكالمة هاتفية متوقعة بين القادة الثلاثة يوم الجمعة إلى عطلة نهاية الأسبوع.
ورغم الوحدة في الدعوة العاجلة لوقف إطلاق النار، إلا أن أي تنسيق أوثق بين الدول الثلاث يبقى صعبًا، إذ رفض كل من ستارمر وميرز حتى الآن السير على خطى فرنسا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم بحثهما عن طرق جديدة لممارسة الضغط على إسرائيل.
ألمانيا على مفترق طرق
يواجه المستشار الألماني فريدريش ميرز ضغوطًا متزايدة لمطابقة أفعاله مع خطابه النقدي تجاه إسرائيل، والذي جاء بقوة غير معهودة من زعيم ألماني.
وتأتي هذه الضغوط، خاصة من شريكه الائتلافي، الحزب الديمقراطي الاجتماعي "يسار الوسط"، حيث دعا اثنان من كبار نواب الحزب هذا الأسبوع حكومة ميرز لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل والانضمام للجهود الأوروبية لتعليق اتفاقية الشراكة مع البلاد.
وبحسب بوليتيكو، فإن إحدى الطرق التي يمكن لحكومة ميرز من خلالها زيادة الضغط على إسرائيل، هي إعادة تقييم معارضتها لمقترحات الاتحاد الأوروبي بتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي تنص على علاقات وثيقة في التجارة ومجالات التعاون الأخرى.
وقال المتحدث باسم المستشار للصحفيين يوم الجمعة إنه "مستعد لزيادة الضغط إذا لم يتم إحراز تقدم في قضايا مثل وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية".
وفي اجتماع حاسم ببروكسل يوم الأربعاء، ناقش السفراء الأوروبيون أزمة غزة في محاولة للوصول إلى موقف موحد بشأن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي تمنح تل أبيب امتيازات تجارية واقتصادية وتعاونًا في مجالات متعددة.
وكررت أربع دول، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا، معارضتها الشديدة لاتخاذ أي إجراءات عقابية عبر تعليق هذه الاتفاقية، وهو ما يشكّل ما يُعرف في القانون الأوروبي بـ"الأقلية المعرقلة"، وهي آلية تسمح لمجموعة صغيرة من الدول بمنع تمرير قرارات مهمة حتى لو أيدتها الأغلبية.
في المقابل، تحدثت حوالي 10 دول أوروبية، بما في ذلك بلجيكا وأيرلندا وإسبانيا ولوكسمبورج، لصالح التعليق الجزئي على الأقل لبنود معينة في الاتفاقية مع إسرائيل كرد فعل على الحرب في غزة، وفقًا لدبلوماسي أوروبي تحدث لـبوليتيكو بشرط عدم الكشف عن هويته.
وشدد الدبلوماسي على أن قرارًا محتملًا من ألمانيا، التي تُعتبر أقوى حليف لإسرائيل في أوروبا تاريخيًا، بتغيير موقفها والسماح بتعليق بعض التدابير في إطار اتفاقية الشراكة سيكون "ضخمًا" وسيقلب الموازين داخل الاتحاد الأوروبي لصالح اتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل.
وأوضح أن مثل هذا التحول سيكون "حاسمًا"، ليس فقط لأن إيطاليا ستتبع ألمانيا على الأرجح، ولكن أيضًا لأن برلين كانت حليفًا قويًا لإسرائيل حتى الآن، مضيفًا بتعبير مجازي: "إذا كان أفضل صديق لك يخبرك أنك على المسار الخطأ، فهذا له تأثير أكبر بكثير من قول غريب لذلك".
ضغوط داخلية
من جهته، يواجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ضغوطًا متزايدة من داخل حزبه ومن البرلمان، إذ حثه أعضاء في مجلس الوزراء على دعم الاعتراف بفلسطين هذا الأسبوع، بالتزامن مع توقيع أكثر من 200 نائب من مختلف الأحزاب على رسالة تدعو الحكومة لمنح الاعتراف.
وفرضت بريطانيا بالفعل عقوبات على أعضاء في الحكومة الإسرائيلية، لكن الضغوط تتزايد للمضي قدمًا أكثر.
وبحسب بوليتيكو، زعم نائب كبير في حزب العمال أن ستارمر "أكثر حذرًا من أي شخص آخر في الحزب تقريبًا"، بينما قال آخر إنه أصبح معزولًا بشكل متزايد في هذا الموضوع.
كما ذكر شخصان كبيران في الأوساط الدبلوماسية، أنه أصبح الآن على خلاف مع وزارة الخارجية البريطانية، حيث خلص المسؤولون من وزير الخارجية فما دون، سرًا، إلى أن الوقت قد حان لاتخاذ موقف.
ويبدو أن تردد ستارمر مدفوع جزئيًا بنفوره من القيام بأي شيء قد يحيي اتهامات معاداة السامية ضد حزب العمال، وشكوكه المتأصلة في أي شيء يمكن وصفه بـ"سياسة الإيماءات".
كما أن الحفاظ على علاقات جيدة مع ترامب سيكون أولوية عالية في جدول أعمال داوننج ستريت، وفقًا لبيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي البريطاني السابق، الذي اقترح أن ستارمر لن يتحرك بشكل حاسم قبل رؤية ترامب، الذي وصل إلى أسكتلندا يوم الجمعة لزيارة ملعبين للجولف يملكهما، ومن غير المرجح أن يقدم دعمه الكامل للدولة الفلسطينية حتى بعد زيارة ترامب الرسمية في سبتمبر.
وقالت إيميلي ثورنبيري، النائبة العمالية ورئيسة لجنة الشؤون الخارجية البريطانية، لـبوليتيكو: "إذا كان لدينا أي رصيد مع البيت الأبيض، فيجب أن ننفقه على هذا".
موقف فرنسا الاستباقي
ركزت فرنسا جهودها على حشد الدعم للاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث ظل ماكرون "يغازل" علنًا فكرة الاعتراف لأشهر، لكن توقيت إعلان الخميس بدا أنه فاجأ المؤسسات السياسية والدبلوماسية الفرنسية، كما أفاد دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى لـبوليتيكو.
وقال الدبلوماسي: "حتى لو لم نتحدث عن الشروط، فقد قلنا دائمًا إننا نريد القيام بذلك في ديناميكية جماعية مع دول أخرى تقوم بإيماءات لصالح التقارب مع إسرائيل، ودول أخرى ستعلن أيضًا الاعتراف بفلسطين".
وعندما سُئل ترامب يوم الجمعة عن إعلان ماكرون، وصف الرئيس الفرنسي بأنه "رجل جيد جدًا"، لكنه أضاف أن "ما يقوله لا يهم" وأن "بيانه لا يحمل أي وزن".