نشر مركز الدراسات الأمريكي "ذا أتلانتيك كاونسل" تقريرًا شاملاً وثّق فيه تفاصيل ما وصفه بسياسة "التجويع الممنهج" التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية بحق سكان قطاع غزة، مدعومًا بشهادات ميدانية وتحذيرات أممية متزايدة، إذ يعرض التقرير الأبعاد الإنسانية والكارثية للأزمة الغذائية والصحية المتصاعدة، ويشير إلى استخدام الجوع كسلاح حرب وسط أزمة أخلاقية تتحدى ضمير العالم.
واقع غذائي كارثي
يتحدث التقرير عن معاناة الفرق الإنسانية التي تحاول تقديم المساعدات وسط الحصار الإسرائيلي، حيث قالت منسقة برنامج INARA في غزة: "نحن جائعون طوال اليوم، لم أتناول أي طعام بالأمس"، ويصف التقرير مشاهد أطفال يتسلمون الخضراوات كما لو كانت حلوى العيد، في حين أن كل ما يحصلون عليه هو خيارة واحدة.
وفقًا للفريق، فإن الطرود الغذائية المحلية، بسبب ندرة المنتجات الزراعية وغلاء أسعارها، تصل تكلفة الطرد الواحد إلى 120 دولارًا، وهذه الطرود تحتوي فقط على 6 كيلوجرامات من الخضراوات الطازجة.
ويؤكد "ذا أتلانتيك كاونسل" أن إسرائيل تعتمد سياسة منهجية لمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، مع إقامة حواجز وتقديم ذرائع كاذبة عن سرقة حماس للمساعدات، وقد فندت تقارير أممية وأخرى إسرائيلية هذه الادعاءات، مشيرة إلى غياب أي دليل على قيام حماس بسرقة مساعدات على نطاق واسع.
كما أشار التقرير إلى تقارير إسرائيلية داخلية نُشرت في صحيفة "نيويورك تايمز" تؤكد أن الجيش الإسرائيلي لم يعثر على أي دليل يثبت سرقة المساعدات من قبل حماس.
"فخاخ موت"
بحسب الأمم المتحدة، تم تسجيل 74 حالة وفاة مرتبطة بسوء التغذية خلال عام 2024، منها 63 حالة وقعت في شهر يوليو وحده، من بينها 24 طفلًا دون سن الخامسة، كما توفي 14 شخصًا إضافيًا في أقل من 24 ساعة من صدور تقرير الأمم المتحدة، من بينهم طفلان.
وسجّلت وزارة الصحة في غزة 147 حالة وفاة بسبب سوء التغذية منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، من بينهم 88 طفلًا. ويُرجّح أن تكون الأعداد الحقيقية أعلى بكثير بسبب صعوبة توثيق الحالات داخل المناطق المنكوبة.
أورد التقرير شهادات صادمة عن إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على مدنيين أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية، وقال أحد المتعاقدين السابقين، وهو جندي أمريكي سابق: "لم أشهد في حياتي هذا الكم من الوحشية في استهداف المدنيين الجائعين".
كما وثّقت شهادات تؤكد وجود "فخاخ موت" حيث يتم استهداف الحشود بقناصة متمركزين، ويجري إطلاق النار عليهم عشوائيًا.
أكد التقرير أن مستشفيات غزة تعمل بأقل من طاقتها وتكافح للبقاء، حيث يُصاب الأطباء بالإغماء أثناء أداء مهامهم بسبب الجوع، وأشارت منظمة أطباء بلا حدود إلى أن 25% من المرضى الذين تستقبلهم يعانون من سوء تغذية حاد، معظمهم أطفال دون سن الخامسة.
كما نقل التقرير قصة طفل مصاب بالشلل الدماغي توفي بعد أن مُنعت عائلته من الحصول على الغذاء العلاجي اللازم، رغم تحسنه المؤقت سابقًا.
عرقلة إسرائيلية ممنهجة
أوضح التقرير أن إيصال المساعدات يمر بمراحل معقدة تتطلب التنسيق مع الجيش الإسرائيلي، وغالبًا ما يتم رفض التصاريح أو تأخيرها، وأشار إلى أن إسرائيل سمحت فقط بدخول ثلث الطلبات في أحد الأيام، بينما انتظرت بعض وكالات الإغاثة أكثر من 8 ساعات دون موافقة.
أشار التقرير إلى أن عمليات الإنزال الجوي التي نفذتها دول عربية، لم تحقق أي أثر حقيقي، بل أدت إلى إصابة 10 أشخاص على الأقل، وتسببت في خلق فوضى، ووصفت منظمات الإغاثة هذه العمليات بأنها باهظة التكلفة وغير فعالة.
في تناقض صارخ مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي نفى وجود مجاعة، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "هذه مجاعة حقيقية، ولا يمكن التظاهر بعكس ذلك"، مطالبًا إسرائيل بالسماح بدخول كل أوقية من الغذاء.
كما صرحت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية بعدم وجود أدلة على سرقة حماس للمساعدات. وأكدت مراجعة للحكومة الأمريكية نفس النتيجة.
أزمة أخلاقية عالمية
وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ما يحدث في غزة بأنه "أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمي"، محذرًا من كارثة إنسانية واسعة النطاق ما لم تُرفع القيود بشكل فوري.
يخلص تقرير "ذا أتلانتيك كاونسل" إلى أن ما يحدث في غزة لا يقتصر على أزمة إنسانية فحسب، بل يمثل اختبارًا حقيقيًا للمجتمع الدولي ومبادئ القانون الإنساني الدولي، وفي ظل استمرار سياسة التجويع والإبادة الجماعية كما توصفها المنظمات الحقوقية، تبقى الحاجة ماسة لتحرك دولي حازم لوقف الكارثة وضمان وصول المساعدات إلى أكثر من مليوني إنسان مهددين بالموت جوعًا.
مساعدات مصرية
وتستمر مصر في جهودها الحثيثة لإدخال شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، في خطوة تهدف لتلبية الاحتياجات المُلحة للسكان من المواد الغذائية والإغاثية، ورصدت كاميرا "القاهرة الإخبارية" بدء تحرك أولى أفواج هذه الشاحنات في ساعة مبكرة صباح اليوم الثلاثاء، من الأراضي المصرية باتجاه القطاع.
وقال مراسل "القاهرة الإخبارية" رمضان المطعني، من أمام معبر رفح من الجانب المصري، أن مصر تقدم نحو 80% من المساعدات الإنسانية التي تتحرك باتجاه قطاع غزة حتى اليوم، وذلك في إطار جهودها المتواصلة للتخفيف من الأزمة الإنسانية هناك.
وأضاف "المطعني" أن قوافل المساعدات التي تتحرك من مصر باتجاه قطاع غزة تحمل مئات الأطنان من المواد الغذائية والماء والمواد الطبية والإغاثية، في محاولة لسد جزء من النقص الكبير الذي يعانيه السكان.