يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أزمة سياسية حادة بسبب تعامل إدارته مع ملفات جيفري إبستين، حيث تصدرت القضية عناوين الأخبار وطغت على أجندته السياسية، وفقًا لتقرير صحيفة "واشنطن بوست"، الذي استند إلى مقابلات مع نحو 12 شخصًا مطلعًا على الوضع.
إحباط الرئيس وغياب الإستراتيجية
كشف مصدران مطلعان ومقربان من الرئيس الأمريكي ترامب لصحيفة "واشنطن بوست" عن إحباطه المتزايد من هيمنة قضية إبستين على الأخبار، إذ قال أحدهما عن الوضع: "هذا إلهاء كبير إلى حد كبير، وبينما يحاول الكثيرون الحفاظ على الوحدة، فإن وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي ينهاران من الداخل. الكثيرون يتساءلون عن مدى استدامة هذا الوضع لجميع الأطراف المعنية".
رغم إحباطه، تردد ترامب في إجراء تغييرات في الموظفين، حيث قال المصدر الآخر: "لا يريد خلق مشهد أكبر بفصل أي شخص".
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن كبار المسؤولين قللوا من تقدير الغضب الشعبي، خاصة من قاعدة ترامب الانتخابية، آملين أن ينسى الشعب الملفات غير المنشورة.
وعود الإفراج عن الملفات
تقف النائبة العامة بام بوندي في مركز هذه العاصفة، بعد أن جعلت من الإفراج عن ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالي حول إبستين إحدى مبادراتها المميزة لشهور.
وكثّفت تعهداتها الضغط بين أعضاء القاعدة اليمينية لترامب للإفراج عن الملفات وسط تكهنات بأن الأدلة غير المكشوفة قد تورط أصدقاء أبستين الأثرياء والنافذين.
في فبراير الماضي، نظّمت "بوندي" إطلاقًا واسع النقد لما وصفته بـ"المرحلة الأولى" من ملفات إبستين، الذي تبين أنه مجرد عرض لوثائق متاحة للجمهور مسبقًا موضوعة في مجلدات معنونه "سرية" ووُزعت على مؤثرين يمينيين مختارين في إحاطة بالبيت الأبيض.
استخدم العديد من هؤلاء المؤثرين منصاتهم لانتقاد بوندي بشدة، واصفين إياها بالكاذبة وطالبوا بمزيد من الشفافية.
مذكرة مثيرة للجدل
خلال عطلة نهاية الأسبوع الرابع من يوليو الجاري، أعطت "بوندي" ونائبها الأول وقادة مكتب التحقيقات الفيدرالي الموافقة النهائية على مذكرة غير موقعة حول ملفات إبستين أشعلت جدلًا جديدًا.
ذكرت المذكرة أن إدارة ترامب لم تجد أي دليل يدحض أن إبستين مات منتحرًا في السجن عام 2019، وقالت إنه لا توجد "قائمة عملاء" تؤدي لمقاضاة أي شخص آخر، إضافة لذلك، أعلنت عدم الإفراج عن المزيد من الوثائق لحماية خصوصية الضحايا.
انهالت عاصفة من الانتقادات على الحكومة منذ ذلك الحين، ومنحت الديمقراطيين خط هجوم قويًا وجديدًا، وتركت ترامب يكافح للاستجابة لأكثر الأزمات السياسية تعقيدًا التي واجهها منذ عودته للبيت الأبيض.
قال ستيفن سالتزبرج، المسؤول السابق في وزارة العدل في إدارتي ريجان وبوش الأب، والذي يدرّس في كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن، لصحيفة "واشنطن بوست": "لقد أخطأوا تمامًا في تقدير حمى الإثارة التي بنوها لهذا المستوى، الآن يبدو أنهم في حالة ذعر تام، يحاولون تغيير الموضوع ويتخبطون في محاولة فهم ما لا معنى له".
صراعات داخلية
كشف التقرير عن صراعات داخلية حادة، إذ شارك مدير مكتب التحقيقات كاش باتيل ونائب المدير دان بونجينو في صياغة التقرير والموافقة على الدعوى لإصدار المذكرة، وفقًا لرسائل إلكترونية راجعتها "واشنطن بوست" وثلاثة أشخاص مقربين من الرئيس.
لكن منذ تكثف رد الفعل العنيف، تذمر كلاهما بشكل خاص من أنهما لو كانا مسؤولين لكانا أطلقا ملفات إبستين مع حجب المعلومات التي تحدد هوية الضحايا.
كان بونجينو، ضابط الخدمة السرية السابق الذي تحوّل لمقدم بودكاست له متابعة يمينية كبيرة، غاضبًا من التداعيات حول المذكرة وإصدار الفيديو.
في الأيام التالية، أشار كبار المسؤولين في مكتب التحقيقات ووزارة العدل بأصابع الاتهام لبعضهم البعض. إذ اتهمت بوندي نائب مدير مكتب التحقيقات دان بونجينو بتسريب معلومات للإعلام حول التعامل مع ملفات إبستين، وفكر بونجينو في الاستقالة من منصبه البارز، رغم أنه قرر البقاء حتى الآن.
محاولات فاشلة
لأسابيع بعد إصدار المذكرة، تحدث ترامب وبوندي عبر الهاتف يوميًا تقريبًا، كما يفعلان عادة، وسط رد فعل عنيف رفض، على عكس جدالات الرئيس السابقة، أن يخمد من العناوين الرئيسية.
فشلت سلسلة مستمرة من الإعلانات الإدارية في إسكات الضجيج، بما في ذلك الإفراج عن سجلات مكتب التحقيقات حول اغتيال القس مارتن لوثر كينج الابن، وتحقيق جديد في مدير مكتب التحقيقات السابق جيمس كومي، وحتى اتهام خيانة متفجر ضد الرئيس السابق باراك أوباما حول انتخابات 2016.
عبّر ترامب عن إحباطه على وسائل التواصل الاجتماعي قائلًا: "لقد حققنا أعظم ستة أشهر لأي رئيس في تاريخ بلدنا، وكل ما تريد الأخبار المزيفة الحديث عنه هو خدعة جيفري إبستين!"
زادت المحاولات لتهدئة قاعدة ترامب بمزيد من معلومات إبستين من الأسئلة في كثير من الأحيان.
أطلق مكتب التحقيقات لقطات أمنية من 2019 من خارج زنزانة إبستين في السجن، التي كان المقصود منها إثبات أنه مات منتحرًا ودحض نظريات المؤامرة بأنه قُتل.
بعد الإصدار، أدرك باتيل وبونجينو أن ما وصفاه بلقطات "خام كاملة" كانت تنقصها ثلاث دقائق، ما أثار المزيد من التكهنات.
ضغوط الكشف عن اسم ترامب
تكثفت الضغوط الأسبوع الماضي بعد أن أفادت "وول ستريت جورنال" بأن "بوندي" أخبرت الرئيس "ترامب" في اجتماع مايو الماضي بالمكتب البيضاوي مع "باتيل" أن اسمه (ترامب) ظهر عدة مرات في الملفات.
في حين تشير "واشنطن بوست" إلى أن وجود اسم ترامب، أو أي شخص آخر، في وثائق التحقيق لا يشير بالضرورة لأي مخالفة، لكن الديمقراطيين في الكونجرس تمسكوا بهذا الكشف.
قال ثلاثة أشخاص مطلعون على اجتماع مايو إن إبستين كان مجرد موضوع واحد من عدة مواضيع في الإحاطات المنتظمة مع الرئيس.