مع انطلاق موسم الصيف السينمائي لعام 2025، بدا المشهد مغايرًا تمامًا مع غياب المشروعات السينمائية التي كانت ستحمل توقيع نجمات الصف الأول، باستثناء عمل وحيد هو فيلم "روكي الغلابة" بطولة دنيا سمير غانم، الذي تحدد عرضه نهاية يوليو الجاري، ليصبح بذلك الاستثناء الوحيد في موسم كان يُنتظر أن يكون محطة لاستعادة التوازن في السينما المصرية.
كانت الفترة الماضية شهدت موجة من الترويج لمجموعة من الأفلام التي كان من المفترض أن تعيد البطولة النسائية إلى الواجهة، من خلال نجمات مثل منى زكي، وياسمين عبد العزيز، ومنة شلبي، ونيللي كريم، في خطوة بدا أنها ستكسر احتكار البطولة الذكورية الممتد منذ سنوات، إلا أن تلك الآمال سرعان ما تراجعت، بعدما تم تأجيل أغلب هذه الأعمال لمواسم أخرى.
هذا الغياب يعيد إلى الواجهة تساؤلًا: هل لا تزال السينما المصرية بعيدة عن منح المرأة فرصة عادلة في أدوار البطولة؟.. أم أن المنظومة الإنتاجية لا تزال حبيسة حسابات تقليدية ترى في الرجل رهانًا أكثر أمانًا؟
طارق الشناوي: النجومية النسائية تواجه مناخًا لا يمنح فرصًا متكافئة
في تشخيصه لهذا التراجع، يرى الناقد الفني طارق الشناوي أن أزمة غياب البطولات النسائية ليست وليدة اللحظة، بل تمتد إلى أكثر من عقدين، وتحديدًا مع بدايات الألفية الثالثة، حيث بدأت البطولة النسائية المطلقة في التلاشي تدريجيًا أمام تصاعد نمط "البطل الذكر".
ويقول "الشناوي" في تصريح خاص لموقع "القاهرة الإخبارية": "السينما المصرية لطالما عانت من تراجع دور المرأة كمحور رئيسي في الأفلام، ومن بين الأسماء القليلة التي خاضت هذا التحدي ونجحن نسبيًا في الحفاظ على موقعهن كبطلات: دنيا سمير غانم، وياسمين عبد العزيز، ومنى زكي، وهند صبري، ومنة شلبي، إلا أنهن يمثلن استثناءً لا قاعدة، في ظل مناخ إنتاجي وتجاري لا يمنح المرأة فرصًا متساوية للبطولة".
ويؤكد "الشناوي" أن منطق السوق هو الحاكم الأول، إذ لا يتجه المنتجون لدعم البطولة النسائية إلا إذا أثبتت قدرتها على تحقيق أرباح كبيرة، كما حدث في "العصر الذهبي" للسينما المصرية عندما تصدرت نجمات مثل سعاد حسني، ونادية الجندي، ونبيلة عبيد شباك التذاكر، ما جعل الاستثمار في المرأة مجديًا.
ويختتم قائلًا: "الوضع ليس مستحيلًا تغييره. إذا حققت أفلام النجمات الحاليات نجاحًا تجاريًا، سيعيد المنتجون حساباتهم تلقائيًا، لأن الإيرادات هي الحكم الفاصل، وحين تنجح السيدات تُفتح أمامهن الأبواب من جديد".
عصام زكريا: الرهان على التنوع هو الحل
بينما يرى الناقد السينمائي عصام زكريا أن المشكلة أوسع من حدود السوق المصرية، وأنها تمثل ظاهرة عالمية تعاني منها معظم الصناعات السينمائية حول العالم، حيث ينظر إلى البطولة النسائية باعتبارها "أقل ربحية"، وهو تصور يحكم قرارات الإنتاج ويُضعف فرص المجازفة بأعمال تقودها النساء.
وفي حديثه لموقع "القاهرة الإخبارية"، يقول زكريا: "المنتجون يعتقدون أن الأفلام ذات البطولة النسائية لا تحقق إيرادات كافية لضمان استمراريتها، لذلك يعزفون عن تمويل هذا النوع من المشروعات، رغم ذلك، هناك نماذج أثبتت العكس، مثل فيلم "الهوى سلطان" لمنة شلبي، الذي حقق نجاحًا نقديًا وجماهيريًا العام الماضي".
ويشير "زكريا" إلى أن المنتجين غالبًا ما يوجهون النجمات نحو المسلسلات التلفزيونية، بحكم أن جمهور الشاشة الصغيرة من النساء غالبًا، على عكس السينما التي تميل إلى الأكشن والكوميديا، وهي أنواع تُسند تلقائيًا للرجال، ما يعزز الصورة النمطية ويكرّس التهميش.
ويرى أن تجاوز هذه الأزمة يبدأ بتغيير فلسفة العرض نفسها، فيقول: "الحل لا يكون بالاستسلام لمنطق السوق وحده، بل بالدفع نحو التنوع في دور العرض. يمكن البدء بتقديم أفلام متوسطة أو صغيرة ببطولات نسائية، تُعرض إلى جانب الأعمال التجارية الضخمة. هكذا فُتحت الأبواب في السابق أمام وجوه جديدة، دون انتظار ضمانات ربحية مسبقة".