تعيش واشنطن هذه الأيام على وقع تصاعد نظريات المؤامرة، التي تتناقلها الأروقة السياسية، وتتنافس وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في تضخيمها أو نفيها، فيما يتردد صداها من المكتب البيضاوي إلى مبنى الكابيتول.
ووفقًا لصحيفة "واشنطن بوست"، لم يرتبط أي رئيس أمريكي حديث بنظريات المؤامرة كما ارتبط بها دونالد ترامب، الذي بدأ مشواره السياسي بادعاء أن الرئيس الأسبق باراك أوباما وُلد خارج البلاد، ما يجعله –وفق زعمه– غير مؤهل للرئاسة. وبعد أكثر من عقد، يجد نفسه يعود إلى منطلقه الأول، محاولًا هذه المرة صرف الأنظار عن نظرية مؤامرة مرتبطة بجيفري إبستين، عبر إطلاق مزاعم جديدة تتهم أوباما بالخيانة.
نظريات المؤامرة
تعيش العاصمة الأمريكية واشنطن في حالة من التخبّط المعلوماتي، وتنتشر نظريات المؤامرة على نطاق واسع، تتداولها وسائل الإعلام والساسة ومواقع التواصل الاجتماعي، وتأتي هذه الضجة في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة قضايا حساسة، مثل المفاوضات بشأن الحرب في غزة والتغيرات الاقتصادية الكبرى.
واستند ترامب في حملاته إلى نظريات غير موثوقة، وحسب صحيفة "واشنطن بوست" فقد عاد مجددًا ليطلق اتهامات جديدة، تتضمن مزاعم بأن أوباما ارتكب الخيانة عبر التلاعب بتحقيقات التدخل الروسي في انتخابات 2016، كما يتهم بايدن باستخدام "قلم آلي" لتوقيع قرارات العفو، وجيمس كومي بفبركة ملفات إبستين.
من أوباما إلى إبستين
لم يكتفِ ترامب باتهامات عابرة، بل ذهب إلى نشر فيديو مفبرك يظهر فيه أوباما مكبل اليدين في المكتب البيضاوي، ما أثار صدمة سياسية واعتُبر سابقة خطيرة في الخطاب السياسي الأمريكي، كما وجّه اتهامات لخصومه من الحزب الديمقراطي بأنهم يتعاطون المهدئات ويشاركون في مؤامرات خفية.
ويقول مايكل نيلسون، أستاذ الشؤون الرئاسية في كلية رودس، إن ترامب يستغل ميل الناس لتبسيط الواقع المعقد بروايات عن مؤامرات مدبرة، فيما تؤكد الباحثة مينا بوس من جامعة هوفسترا أن تكرار ترامب لهذه النظريات يهدد الثقة في النظام الديمقراطي.
من جانبه، يشير جيف دانسي من جامعة تورنتو إلى أن حركات سياسية أخرى دعّمت نظريات مؤامرة، لكنها لم تصل إلى أعلى مستويات السلطة كما حصل في عهد ترامب.
النظريات القديمة تتجدد
تاريخ ترامب مع نظريات المؤامرة ليس بجديد، فقد سبق أن اتهم والد تيد كروز بالمشاركة في اغتيال جون كينيدي، وروّج لفكرة أن أوباما لم يولد في أمريكا، وأن بن لادن لم يُقتل فعلًا، بل قُتل فريق القوات الخاصة، كما شكك في وجود احتياطي الذهب في فورت نوكس، رغم كونه في موقع يمكّنه من التأكد.
ودفعت قضية إبستين رئيس مجلس النواب إلى تعليق الجلسات مؤقتًا، كما خرج الرئيس الأسبق أوباما عن صمته ليرد على اتهامات ترامب.
ملفات سرية
لا تزال ملفات إبستين قيد السرية، رغم ورود اسم ترامب فيها، ما أدى إلى تحالف غير متوقع بين أنصار حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" وبعض الديمقراطيين الليبراليين للمطالبة بالكشف عنها، ورغم أن ترامب كان صديقًا سابقًا لإبستين، فإنه يستمر في نفي أي علاقة له بالقضية.
وحسب "واشنطن بوست" فإن ترامب لا يستخدم نظريات المؤامرة فقط كأداة للدفاع، بل كاستراتيجية سياسية لإعادة صياغة النقاش العام، وبينما تزداد التساؤلات حول دوره في قضية إبستين، يواصل الرئيس الأمريكي تحويل الأنظار نحو خصومه، في مشهد يعكس عمق الانقسام داخل السياسة الأمريكية.