تشهد تايوان، اليوم السبت، تصويتًا غير مسبوق على سحب الثقة من 24 نائبًا من المعارضة، في خطوة قد تمنح الرئيس لاي تشينج تي نفوذًا تشريعيًا أوسع، وتؤجج التوترات المتصاعدة مع الصين.
وحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تعد هذه الحملة اختبارًا حقيقيًا لديمقراطية الجزيرة، وسط انقسام داخلي ومراقبة خارجية حذرة من بكين.
حملة غير مسبوقة
وتعد تايوان واحدة من الديمقراطيات القليلة في العالم التي تتيح للناخبين سحب الثقة من ممثليهم المنتخبين عبر التماسات شعبية، التي تواجه حملة استدعاء جماعي لم يسبق لها مثيل على المستوى التشريعي، وتستهدف في مرحلتها الأولى 24 نائبًا من الحزب القومي، مع وجود سبعة آخرين يواجهون التصويت الشهر المقبل.
وتوضح يانينا ويلب، الباحثة في معهد الدراسات العليا في جنيف والمتخصصة في استدعاء البرلمانات، أن أيًا من الهيئات التشريعية الوطنية في العالم لم تواجه استدعاءً بهذا الحجم، ويُنظر إلى الحملة باعتبارها انعكاسًا لحيوية الديمقراطية التايوانية التي تطورت منذ الثمانينيات بعد عقود من الحكم الاستبدادي، وفق "واشنطن بوست".
وتؤكد الناشطة مولي كو، إحدى منظمات الحملة في مدينة تايبيه الجديدة، أن هذه الجهود تمثل "حركة شعبية لا مركزية تعكس تعميق الديمقراطية".
معركة مدفوعة
وفي المقابل، يرى المعارضون أن الحملة تُعد إساءة لاستغلال آلية يفترض استخدامها بحذر، وصرّح النائب القومي لاي شيه باو، الذي يواجه تصويتًا لسحب الثقة، بأن "الدعوة للسحب هي معركة مدفوعة بالكراهية"، مضيفًا أن النواب المستهدفين "يتعرضون لتشويه سمعة كامل".
وحسب قانون الانتخابات التايواني، يتطلب نجاح الاستدعاء أن تكون الأصوات المؤيدة أكثر من المعارضة، وأن يُدلي ربع الناخبين المسجلين على الأقل بأصواتهم لصالح العزل، وإذا تم سحب الثقة من أحد النواب، تجرى انتخابات خاصة خلال ثلاثة أشهر، ويُمنع النائب المعزول من الترشح مجددًا.
وحسب "واشنطن بوست" فإن هناك التماسات مضادة أطلقتها المعارضة لسحب الثقة من نواب الحزب الديمقراطي التقدمي، لكنها لم تنجح في جمع التواقيع المطلوبة.
رهانات الرئيس لاي
يمثل هذا التصويت نقطة تحول للرئيس لاي تشينج تي، الذي يتبنى نهجًا سياديًا يسعى لفصل تايوان عن الصين، ويأمل في توجيه الاقتصاد التايواني بعيدًا عن بكين، وتعيين قضاة موالين له في المحكمة العليا، ورغم فوزه بالرئاسة في يناير الماضي، إلا أن الحزب القومي حصل على 52 مقعدًا من أصل 113، ما مكنه، بدعم من حزب الشعب التايواني، من عرقلة مبادرات الرئيس.
وتوضح الصحيفة أنه في حال إقالة 12 نائبًا قوميًا أو أكثر، فإن الحزب الديمقراطي التقدمي سيحصل على أغلبية مؤقتة في المجلس التشريعي، إلى حين إجراء انتخابات خاصة، وقد يؤدي ذلك إلى تسهيل تمرير أجندة الرئيس، لكن سيطرة الحزب على المدى البعيد ستظل مرهونة بنتائج الانتخابات التكميلية.
الصين تترقب
وتراقب الصين هذه التطورات بقلق بالغ، وقد تلجأ إلى تكثيف مناوراتها العسكرية بالقرب من الجزيرة، وترى بكين أن الحملة تمثل تهديدًا لمصالحها، خصوصًا أن الرئيس لاي سبق أن وصف نفسه بأنه "براجماتي" يسعى لاستقلال تايوان، وينتمي إلى حزب تأسس على معارضة مبدأ "تايوان جزء من الصين".
وأدان المسؤولون الصينيون الحملة باعتبارها محاولة لقمع أصوات المعارضة، كما أن زيارة مرتقبة للرئيس لاي إلى حليف دبلوماسي في أمريكا اللاتينية خلال أغسطس المقبل، مع احتمال توقفه في الولايات المتحدة، قد تزيد من حدة التوتر مع بكين التي ترفض أي اتصالات رسمية بين تايبيه وواشنطن.
ورغم الانقسام السياسي الحاد، ترى "واشنطن بوست" أن العملية الانتخابية تمضي في إطار سلمي إلى حد كبير، ما يعكس قوة المؤسسات الديمقراطية التايوانية. وعلّق الباحث السياسي ناثان ف. باتو من أكاديمية سينيكا قائلًا: "لم تحدث أزمة دستورية. لقد وُجّهت كل الطاقة والقلق نحو آلية مؤسسية".
وتشير الصحيفة إلى أن نتائج التصويت ستحدد ليس فقط مستقبل التوازن التشريعي في تايوان، بل أيضًا ملامح العلاقة المقبلة مع الصين، فنجاح الحملة سيمنح الرئيس لاي قوة دافعة لتحقيق أجندته، بينما قد يُعد الفشل مؤشرًا على تراجع الدعم الشعبي له قبيل الانتخابات المقبلة.