أعلن الرئيس التايواني لاي تشينج تي، أن بلاده تسعى لتقليص اعتمادها التجاري على الصين، في خطوة قال إنها تهدف لحماية الأمن القومي وتعزيز الشراكات مع الدول الأخرى، وتأتي هذه السياسة الجديدة رغم أن الصين لا تزال حتى اليوم أكبر شريك تجاري لتايوان وأكبر مستورد لمنتجاتها الحيوية، وعلى رأسها أشباه الموصلات.
وأكد لاي أن على شركات التكنولوجيا التايوانية، وخاصة تلك العاملة في صناعة الرقائق المتقدمة، أن تبتعد عن التعامل مع بكين، داعيًا إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد بالتعاون مع "شركاء ديمقراطيين موثوقين".
قيود التصدير
في أحدث خطوة ضمن هذا التوجه، أصدرت حكومة تايوان الشهر الماضي قرارًا يُلزم الشركات المحلية بالحصول على تراخيص مسبقة لتصدير منتجاتها إلى شركتي "هواوي" و"SMIC"، وهما من أبرز ركائز قطاع التكنولوجيا في الصين.
وتُعد هذه الخطوة انسجامًا مع سياسة الولايات المتحدة الهادفة إلى حرمان الصين من تقنيات أشباه الموصلات المتقدمة، ويرى مراقبون أن هذه الخطوات تعزز موقع تايوان كحليف استراتيجي لواشنطن، ولو على حساب مصالحها الاقتصادية قصيرة الأجل، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
في المقابل، تواجه تايوان ضغوطًا من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي دعا تايبيه إلى رفع إنفاقها العسكري، ملوحًا بإمكانية فرض رسوم جمركية على وارداتها، كما انتقد ترامب ريادة تايوان في صناعة الرقائق، معتبرًا أن ذلك تم على حساب الشركات الأمريكية.
وبدورها، استجابت تايوان جزئيًا لتلك الضغوط، حيث أعلنت شركة TSMC – الرائدة عالميًا في إنتاج أشباه الموصلات – عن مضاعفة استثماراتها في الولايات المتحدة لتصل إلى 165 مليار دولار.
هل تستطيع الانفصال؟
ورغم التوجه الرسمي لفك الارتباط مع الصين، يرى محللون أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين عميقة ومعقدة، فلعقود، كانت الصين الوجهة الأولى لاستثمارات الشركات التايوانية الكبرى مثل "فوكسكون" و"TSMC"، وقد حققت هذه الشركات نموًا هائلًا بفضل التصنيع في الصين والمبيعات للسوق الصينية.
وتُشير الأرقام إلى تراجع حاد في الاستثمارات التايوانية الجديدة داخل الصين – من أكثر من 80% في عام 2010 إلى نحو 7% فقط في 2023 – لكن الاعتماد التجاري لا يزال قائمًا، لا سيما في قطاع الرقائق.
ورغم المخاطر الأمنية، لا تزال الصين تمثل بيئة جذابة للأعمال بالنسبة لكثير من التايوانيين. يقول هوارد يوان، مدير شركة عائلية في شنجهاي، إن "الاستغناء عن الموردين الصينيين سيكون صعبًا جدًا"، في حين ترى روبي تشين، صاحبة مشروع طبي صيني في شاندونج، أن السوق الصينية "أكثر انفتاحًا وأسهل من تايوان في بدء الأعمال".
وتجدر الإشارة إلى أن شخصيات اقتصادية بارزة في تايوان، مثل تساي إنج مينج مؤسس مجموعة "وانت وانت"، لا تزال تدعم تقاربًا أكبر مع بكين، بل وتروج لذلك إعلاميًا.
وفي ظل غياب بديل تجاري بحجم الصين، واستمرار الضغوط السياسية والعسكرية من بكين، يقف الاقتصاد التايواني أمام تحدي إعادة تموضع استراتيجي محفوف بالمخاطر.
ويرى خبراء أن تايوان تحاول تحقيق توازن بين الحفاظ على أمنها القومي وتعزيز تحالفها مع واشنطن من جهة، وضمان استقرارها الاقتصادي من جهة أخرى – وهو توازن دقيق قد يُحدد شكل العلاقات في منطقة شرق آسيا خلال السنوات المقبلة، وفقًا للصحيفة الأمريكية.
عرض عسكري ضخم
وفي السياق، تستعد العاصمة الصينية بكين لتنظيم عرض عسكري واسع النطاق في الثالث من سبتمبر المقبل بمناسبة الذكرى الـ 80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في حدث سيحمل رسائل عسكرية وتاريخية لا سيما تجاه تايوان، رغم عدم إعلان الجزيرة كموضوع رسمي للفعالية.
العرض المرتقب سيشهد استعراضًا لأحدث الأسلحة التي طورها جيش التحرير الشعبي الصيني، من بينها مقاتلات الجيل الخامس، وصواريخ باليستية عابرة للقارات، وأسلحة غير مأهولة متطورة، وجميعها معدّة - وفق مراقبين - في إطار سيناريوهات مواجهة محتملة مع تايوان.
ورغم أن تايوان ليست محور الحدث، فإن السُلطات الصينية بدأت بالفعل توجيه رسائل غير مباشرة نحو الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي تراها بكين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها ويجب "إعادة توحيدها بالقوة إن لزم الأمر"، بحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست".