الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بين الشعبوية والبراجماتية.. قومية ميلوني تعيد رسم ملامح الزعامة الأوروبية

  • مشاركة :
post-title
جورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

عندما تولت جورجيا ميلوني السلطة في أكتوبر 2022 على رأس حركةٍ أسسها آخر أتباع بينيتو موسوليني المخلصين، قال منتقدوها في إيطاليا وأوروبا إن دعواتها للفخر الوطني والدفاع عن "الحضارة الغربية" تُنذر بتحولٍ يمينيٍّ متطرف في ثامن أكبر اقتصاد في العالم.

لكن رئيسة الوزراء الإيطالية، أربكت منتقديها حقًا. ففي الداخل، ركزت على بعض وعودها الانتخابية الأكثر دراماتيكية، مثل فرض حصار بحري لوقف المهاجرين غير الشرعيين عبر السفن، أما على الصعيد الدولي، فقد تصرفت كمحافظة براجماتية أكثر منها ثورية يمينية.

وفي منتصف أبريل، عندما وصلت إلى واشنطن للقاء ترامب في المكتب البيضاوي، حيث اعتاد دعوة القادة الأجانب إلى الجناح الغربي ثم جلب الصحافة لعرض هيمنته، بذلت جهدًا لتجنب الصدام، ونجت من الموقف بهدوء. لكن، عندما تحوَّل الموضوع إلى حرب أوكرانيا، دافعت ميلوني بشراسة عن زيلينسكي وضرورة دعم أوكرانيا حتى النهاية.

فيما بعد، علّق نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس لشبكة NBC News على أداء ميلوني: "إنها صريحة للغاية، إنها تُذكِّرني قليلًا بأوشا (زوجته) من حيث قدرتها على إيصال رسالة مباشرة للغاية دون أن تبدو مسيئة".

ميلوني تلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جيه دي فانس
قومية ميلوني

بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على توليها المنصب، برزت ميلوني، البالغة من العمر 48 عامًا، كواحدة من أبرز الشخصيات الأوروبية. أمٌّ عاملة، طولها 160 سم، غير متزوجة، بدون شهادة جامعية، تحدى صعودها توقعات أقرانها.

هي أول زعيمة لإيطاليا تقول إنها واجهت خلال مسيرتها المهنية "صورًا نمطية سخيفة"، لكنها ترفض محاولات الحكومة لإصلاح هذا التمييز أو غيره. تزعم تحقيق انتصاراتٍ للمحافظين في استقرار حكومة إيطاليا المعروفة بالفوضى، وتحسين تصنيف ديونها، مع السعي في الوقت نفسه إلى تطبيق أجندة سياسية تتسم بتعزيز السلطة التنفيذية، وقمع وسائل الإعلام، وفرض السيطرة على القضاء، واستهداف المهاجرين غير الشرعيين، والحد من بعض أشكال الاحتجاج.

من كل هذه التناقضات، تبني ميلوني نوعًا جديدًا من القومية: "شعبوية، وقومية، ومؤيدة للغرب، لكنها ملتزمة بالتحالفات الأوروبية والأطلسية"؛ كما وصفتها مجلة "تايم" الأمريكية، التي أجرت معها في قصر "كيجي" بروما، مقر الحكومة الإيطالية، حديثًا طويلًا احتلت به غلاف عدد أغسطس.

تشير المجلة إلى أنه "من غرائب التاريخ أن ميلوني تُنشئ قومية القرن الحادي والعشرين في بلدٍ جسَّدت النسخة الليبرالية للقرن التاسع عشر من خلال توحيده، وأوجدت في موسوليني النموذج الفاشي الكارثي في القرن العشرين. رفضت ميلوني هذا النموذج مرارًا وتكرارًا. لكنها تتبنى النموذج الأول بعباراتٍ تُشبه التحرر، مُعلنةً عزمها على إعادة بناء هويتنا، وبناء فخرنا مهما كلف الأمر".

ولأن إيطاليا من أغنى دول العالم، وهي عضوٌ مؤسسٌ في الاتحاد الأوروبي، فإن القومية التي تُطلقها ستؤثر على مسار الديمقراطية الغربية.

ميلوني تلقي خطاب في أكتوبر 2022 بعد انتخابها كأول رئيسة وزراء لإيطاليا
صعود صعب

في بداية حياتها، لم تلتحق ميلوني بالجامعة لعجزها عن تحمُّل تكاليفها، بل عملت في بيع الأقراص المدمجة ومجالسة الأطفال لكسب المال. لكن في اجتماعات الشباب والتجمعات، برزت كخطيبة مؤثرة وناشطة سياسية، وكان صعودها سريعًا.

في عام 2004، وفي سن السابعة والعشرين، فازت ميلوني بقيادة مجموعة الشباب في حزب "التحالف الوطني". بعد عامين، فازت بمقعد في مجلس النواب عن دائرة "جارباتيلا"، وبعدها بعامين آخرين، عُيّنت وزيرة للشباب في حكومة سيلفيو برلسكوني ذات التوجه اليميني الوسطي. وفي سن الحادية والثلاثين، أصبحت أصغر وزيرة في حكومة إيطاليا ما بعد الحرب.

في عام 2012، انسحبت ميلوني ومجموعة متشددة من أعضاء حزب "سيجالز" السابقين من ائتلاف برلسكوني. كانت خطوة محفوفة بالمخاطر. لكن، بدأ حزب ميلوني الناشئ، "إخوة إيطاليا" – المشتق اسمه من الأسطر الأولى من النشيد الوطني للبلاد – مسيرته بدعم 2%.

بنت ميلوني سمعتها بترشحها لمنصب عمدة روما وهي حامل بابنتها عام 2016. ربما خسرت وقتها، ولكن بحلول عام 2018، فاز الحزب بعشرات المقاعد في البرلمان وانضم مجددًا إلى تحالف يمين الوسط. في العام التالي، ألقت خطابًا حاسمًا، مُعلنة بنبرة تحدٍّ: "أنا جورجيا، أنا امرأة، أنا أم، أنا إيطالية، أنا مسيحية. لا يمكنك أن تسلبني ذلك".

وعندما توحدت الأمة خلف حكومة تصريف أعمال خلال أزمة كوفيد-19، رفضت ميلوني دعمها. مهدت هذه الخطوة الطريق لصعودها النهائي إلى السلطة. في عام 2022، قادت ائتلافًا يمينيًا ووعدت بفرض حصار بحري على المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط.

ثم، تفوَّق تحالف ميلوني على منافسيه بفارق 18 نقطة، حيث فاز حزب "إخوة إيطاليا" بنسبة 26% من الأصوات، متفوقًا بفارق كبير على الأحزاب اليمينية الأخرى. وسرعان ما اتحد اليمينيون خلفها، مانحين إياها أغلبية مريحة في مجلسي البرلمان، لتتولى السلطة بعد قرابة 100 عام من زحف موسوليني نحو روما.

أقوى نساء أوروبا بين اليمينية والبرجماتية
قمع المهاجرين

طالما كان موقف ميلوني المميز، والسلم الأخير في صعودها السياسي، هو قمع الهجرة غير الشرعية. لكن، عرقلت المحاكم الكثير مما حاولت القيام به، بما في ذلك مغامرتها الباهظة الثمن، حيث دفعت 67.5 مليون يورو لبناء وصيانة منشأة في ألبانيا لاحتجاز المهاجرين، لتُعتبر انتهاكًا للقانون. كما وجد المدافعون عن حقوق الإنسان أن المهاجرين غير المسجلين الذين تم اعتراضهم في برنامج دعمته ميلوني تعرَّضوا للتعذيب في بعض الحالات.

مع ذلك، يُبدي آخرون في أوروبا اهتمامًا بتكرار نهجٍ تزعم ميلوني أنه أدى إلى انخفاضٍ في الهجرة غير الشرعية بنسبة 64%. حتى إن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر – ذو التوجه اليساري – قال لها خلال زيارةٍ إلى روما في سبتمبر الماضي: "لقد أحرزتِ تقدمًا ملحوظًا في العمل مع الدول الواقعة على طول مسارات الهجرة. ويسعدني أننا نُعمِّق تعاوننا هنا".

أيضًا، أقامت ميلوني تحالفًا مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي اعتمدت عليها في تثبيت علاقات أوروبا مع ترامب بعد هجماته الأولى في الحرب التجارية. وأثارت هذه الشراكة الناشئة تكهنات بأن ميلوني وحلفاءها من اليمين المتطرف قد يغتصبون السلطة في نهاية المطاف من الكتلة المحافظة الأكثر تقليدية في بروكسل، تمامًا كما وحَّدت أحزاب الوسط واليمين المتطرف في إيطاليا.

لكن، ترى رئيسة الوزراء الإيطالية أن منتقديها استخدموا خلفيتها اليمينية المتطرفة كسلاح ضد أي سياسة تتبناها. تقول للمجلة الأمريكية: "يتهمونني بكل شيء، من الحرب في أوكرانيا إلى موت الناس في البحر الأبيض المتوسط. ببساطة لأنهم لا يملكون حججًا".