الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

فاروق الفيشاوي.. حكاية فنان عاش لجمهوره وواجه المرض دون انكسار

  • مشاركة :
post-title
فاروق الفيشاوي

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

في الوقت الذي يمر البعض على الفن مرور الكرام بلا تأثير، هناك من يرسخون فيه جذورًا لا تُقتلع، يتنفسون التمثيل كما يتنفسون الحياة، ويؤمنون أن خشبة المسرح ليست مكانًا للعرض فقط، بل للحياة بكل تفاصيلها.

وكان فاروق الفيشاوي من أولئك الذين لم يكتفوا بكونهم نجومًا، بل اختاروا أن يكونوا حالة فنية وإنسانية لا تتكرر، تمرد على القوالب، رفض أن يكون نسخة مكررة، وخاض المعارك الفنية والإنسانية بابتسامة لا تخفت، وشجاعة لا تعرف الهزيمة.

في الذكرى السادسة لرحيله، يعود اسمه ليتصدر وتعود أعماله لتبوح بسر بقائه، فلم يكن على فاروق الفيشاوي، الذي ولد بروح لا تؤمن بالمستحيل، وعقل لا يرضى بالجمود، أن تصبح بدايته الفنية إعلانًا عن نجم مختلف، إذ جاءت انطلاقته الكبرى عام 1981 من خلال فيلم "المشبوه" إلى جانب النجم عادل إمام، حيث شكلا معًا ثنائيًا ناجحًا جذب الأنظار، وأثبت من خلاله الفيشاوي قدرته على التلون والاختلاف، ليكن الفيلم بمقابة إعلان ولادة نجم من طراز خاص، لا يشبه سواه.

امتلك الفيشاوي رصيدًا فنيًا زاخرًا امتد لأكثر من 40 عامًا، تنقل خلالها بين أدوار متنوعة في السينما والدراما والمسرح، رافضًا أن يكرر نفسه، أو يهادن على حساب قناعاته الفنية، فكان فتى الشاشة المتمرد، والعاشق الذي يبوح على لسان أدواره، والفنان الذي لا يتنازل عن احترام جمهوره.

فاروق الفيشاوي

شارك الفيشاوي فيما يزيد على 130 فيلمًا، ومن أبرز أعماله: حنفي الأبهة، الطوفان، قضية عم أحمد، الجاسوسة حكمت فهمي، المرأة الحديدية، قهوة المواردي، وغيرها من الأعمال التي رسخت مكانته بين نجوم الصف الأول.

لم يكتفِ الفيشاوي بالتمثيل، بل خاض مغامرة الإنتاج السينمائي في أفلام مثل "مشوار عمر" و"استغاثة من العالم الآخر"، وتحمل مسؤولية التجربة من باب العشق والتحدي، مدفوعًا بإيمانه بأن الفنان الحقيقي لا يخاف المغامرة.

عُرِف عن الفيشاوي اختياراته الدقيقة، وإصراره على تقديم شخصيات غير نمطية، تعكس التغيرات الاجتماعية والسياسية، وتُبرز التناقضات الإنسانية، ففي التليفزيون، كان أحد أعمدة الدراما المصرية، وقدم أكثر من 100 عمل درامي، لا يزال بعضها محفورًا في ذاكرة المشاهدين، منها "علي الزيبق"، الذي يعد واحدًا من أشهر أدواره على الإطلاق، و"رجل طموح"، و"وجه القمر"، و"قاتل بلا أجر"، و"رأس الغول" مع محمود عبد العزيز، و"عوالم خفية" (2018) مع الزعيم عادل إمام، حيث ظهر كضيف شرف في لمسة وفاء فنية وإنسانية.

فاروق الفيشاوي
المسرح عشقه الأول

لطالما اعتبر الفيشاوي المسرح "بيته الأول والأخير"، وقدم على مدار مسيرته عددًا من العروض المسرحية المهمة مثل "الناس اللي في التالت"، " اعقل يا دكتور"، "شباب امرأة"، "الأيدي الناعمة" بعد تحويلها لعروض مسرحية وغيرها.

وغاب الفيشاوي عن خشبة المسرح لمدة 18 عامًا، ليعود بعدها بـ"الملك لير"، وهو العمل الذي جاور فيه الفنان يحيى الفخراني، مجسدًا دورًا وصفه البعض بأنه وداع استثنائي، حيث كانت تلك المسرحية آخر أعماله الحية على الخشبة، قبل أن يرحل بشهور.

إعلان مرضه بالسرطان

في أكتوبر 2018، وخلال تكريمه بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، فاجأ الفيشاوي الجميع بإعلانه إصابته بالسرطان، قائلًا دون تردد: "قررت أن أتعامل مع المرض كما أتعامل مع الصداع.. وسأنتصر عليه".

فاروق الفيشاوي

كان يدرك تمامًا خطورة ما يواجهه، لكنه ظل مبتسمًا، قويًا، يشارك في أعمال فنية، ويخطط للظهور في مهرجانات قادمة، مؤمنًا بأن الحياة لا تستحق أن تُعاش بالخوف، إذ قال ذات يوم: "الموت هو أكثر ما أخشاه، لكنه ليس نهاية.. هو بداية لحكاية أخرى، ربما لا نراها، لكننا نؤمن بها".

رحيل الجسد

في 25 يوليو 2019، غيّب الموت فاروق الفيشاوي عن عمر ناهز 67 عامًا، بعد صراع شجاع مع المرض، لكنه لم يرحل من قلوب جمهوره.

ظل حاضرًا في كل عمل يُعاد عرضه، وكل مشهد يلمع فيه صدقه، وكل ذكرى يستدعيها المحبون، ليتحقق له ما أراده بأن يُذكر كفنان صادق، لم يخدع جمهوره، ولم يخذل فنه، فقد غادر الحياة وقد ترك إرثًا فنيًا وإنسانيًا سيظل شاهدًا على فنان عاش مخلصًا لفنه وجمهوره للنهاية.