توصل تحقيق داخلي في المنتدى الاقتصادي العالمي، المقام في "دافوس" السويسرية، إلى أن مؤسس المنتدى، كلاوس شواب، انخرط في نمط من سوء السلوك في مكان العمل على مدى العقد الماضي؛ بما في ذلك الإنفاق غير المصرّح به من قِبله وزوجته، وسلوك التنمر والمعاملة غير اللائقة للموظفات؛ كما ذكرت تقارير إعلامية.
في المقابل، اتهم مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي مجلس إدارته بـ"انتهاك الاتفاق بشأن ضبط وسائل الإعلام المرتبط بالتحقيق"، بعد نشر مقتطفات من النتائج الأولية -التي بدا أنها تدعم بعض الاتهامات ضده- في الصحافة السويسرية.
كانت صحيفة "سونتاجز تسايتونج" قد ذكرت أن المحققين وجدوا مؤشرات على أن شواب "تدخل في تقرير التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي من أجل مراعاة الحساسيات السياسية لبعض الحكومات"، وأنه قدّم نفقات شخصية بلغت نحو 900 ألف فرنك سويسري (1.1 مليون دولار) في إنفاق لم يكن مرتبطًا بشكل كافٍ بأنشطة المنتدى.
وبدا غضب "شواب" من التقرير في بيان نشره الأحد الماضي، الذي ذكر فيه أن "مجلس الأمناء لا يحترم بأي حال من الأحوال الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن ضبط وسائل الإعلام". وأضاف: "أشعر بالخداع. لستُ متاحًا لإجراء المزيد من التحقيقات"؛ كما نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
وجاء التحقيق الداخلي، الذي أطلق هذا العام عبر شركة "هومبورجر" للمحاماة، ومقرها زيوريخ، في أعقاب ظهور رسالة مجهولة المصدر تحتوي على سلسلة من الاتهامات ضد شواب، الذي تنحى عن منصبه.
كان "شواب" ينوي في البداية البقاء رئيسًا حتى عام 2027 في إطار انتقال تدريجي. إلا أن الخلاف الحالي قلب هذه الخطط رأسًا على عقب، وألقى بظلاله على المنتدى في وقت يواجه فيه منافسة متزايدة من منظمات أخرى تعقد اجتماعات النخبة العالمية، وتدقيقًا متزايدًا في دوره في تشكيل الخطاب العام.
وتشير التقارير إلى أن الاتهامات دفعت شواب إلى التنحي عن منصبه كرئيس للمنتدى الاقتصادي العالمي -وهي منظمة غير ربحية تشتهر بتجمعها السنوي للنخب العالمية في دافوس- بعد أكثر من نصف قرن من الزمان على رأسها.
وفي أبريل، أكد المنتدى الاقتصادي العالمي وجود رسالة عن مخالفات شواب، التي نشرتها في وقت سابق صحيفة "وول ستريت جورنال"، وقال إنه بدأ تحقيقًا داخليًا، في حين أكد أن مزاعم سوء السلوك "لا تزال غير مثبتة".
900 ألف فرانك
في مقابلة سابقة مع صحيفة "فاينانشال تايمز"، وصف "شواب" هذه الادعاءات بأنها "مختلقة" وقدّم شكوى جنائية في سويسرا بتهمة التشهير والإكراه ضد متهميه المجهولين.
كان أحد الاتهامات الرئيسية في تقرير المُبلّغ عن المخالفات يتعلق بتقرير التنافسية العالمية، وهو منشور رئيسي للمنتدى الاقتصادي العالمي يُصنّف الدول حسب الإنتاجية والمرونة، وغالبًا ما يُشكّل إطارًا لمناقشات رفيعة المستوى في اجتماعه السنوي في منتجع دافوس السويسري للتزلج. وزعم التقرير أن "شواب" ربما يكون قد أساء إلى نزاهة التقرير.
بينما نفى "شواب" جميع الادعاءات، وأقرّ بأن أحداث الأشهر الأخيرة دفعته إلى التأمل الشخصي. وأعرب في المقابلة مع الصحيفة البريطانية في مايو الماضي، عن أسفه لبعض جوانب هيكلة المنتدى وإدارته، لكنه أصرّ على أن هدفه كان دائمًا خدمة الصالح العام.
وحسب صحيفة "سونتاجز تسايتونج" السويسرية، تناولت التحقيقات، من بين أمور أخرى "التفاعلات المحرجة مع موظفي المنتدى الاقتصادي العالمي الشباب، الذين زُعم أن شواب أرسل لهم رسائل بريد إلكتروني ذات دلالات جنسية".
كما تناولت التحقيقات بدل النفقات الباهظ لزوجة شواب، هيلدي، التي أسست وزوجها في عام 1998 "مؤسسة شواب لريادة الأعمال الاجتماعية"، وهي شبكة عالمية من "رواد الأعمال الاجتماعية" وترأسها أيضًا. وفي عام 2021، مُنحت وسام جوقة الشرف الفرنسي برتبة فارس.
تقول الصحيفة: "مع ذلك، فإن تكاليف سفرهما (الزوجين شواب)، التي لا يُمكن تفسيرها دائمًا بعملهما، كانت تُدفع من خلال المنتدى الاقتصادي العالمي. وهذا ليس مبلغًا زهيدًا".
تضيف: "على هيلدي وكلاوس شواب الآن التعامل مع نفقات تُقدر بنحو 900 ألف فرنك سويسري، يُزعم أنها تراكمت على مدى السنوات العشر الماضية، وهي تخضع لتدقيق مُدققي الحسابات".
تقرير التنافسية
إضافة إلى المؤتمرات التي تُعقد خارج دافوس، يُصدر المنتدى الاقتصادي العالمي دراساتٍ من بينها "تقرير التنافسية العالمية (GCR)" منذ عام 2004، الذي كان بمثابة "طموحات عالية" بالنسبة لشواب.
وفق التقارير، لم يكن مؤسس منتدى دافوس يرغب في أن يكون التقرير مجرد قائمة دول "بل ابتكر علماء بارزون مؤشرًا يعتمد على 110 متغيرات، واستطلاع رأي شمل 13500 مشارك في 142 دولة، وكانوا يُصدرون سنويًا كتابًا يقارب 650 صفحة".
ثم، بعد عام 2020، توقف نشر تقرير التنافسية العالمية فجأةً. في البداية، قيل إن السبب هو الجائحة، ثم ساد الصمت. والآن، انكشفت حقيقة ما حدث.
من بين الادعاءات الرئيسية للمخالفات، والتي أدت إلى إقالة كلاوس شواب، أنه سرّب نتائج مؤقتة سرية إلى ممثل حكومي لإحدى الدول، وأخفى تقييمًا سلبيًا لتلك الدولة.
كما يُتهم "شواب" بالمطالبة بتغيير تصنيف دولة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد أن انتقد أحد الوزراء أداءها. ويُزعم أيضًا أنه غيّر تصنيف دولة أخرى من المنطقة قبل 15 عامًا.
وخلال مراجعتهم، اكتشف محامو "هومبورجر" أن شواب تلاعب بشكل كبير بالتصنيفات. بعد تغيير منهجي في تصنيف التقرير لعام 2017 /2018، تراجعت الهند بأكثر من 20 مركزًا مقارنة بالعام السابق. في المقابل، تحسنت المملكة المتحدة من المركز السابع إلى الرابع.
وتدخل "شواب"، فأرسل بريدًا إلكترونيًا إلى المسؤولين، قائلًا: "يجب أن نحمي علاقتنا مع الهند قبل دافوس 2019"، حيث يبدو أنه لم يُرِد المخاطرة بإلغاء رئيس الوزراء ناريندرا مودي زيارته. وكتب أيضًا أن المملكة المتحدة "يجب ألا تشهد أي تحسن"، وإلا "ستُستغل من قِبل معسكر بريكست".