"أنا كريم لدرجة كبيرة والأموال بالنسبة لي وسيلة أدفعها للدكتور وأربي بها أبنائي، وهمي الأول أن أقدم أعمالًا لها قيمة وتعيش".. هكذا تحدث المخرج المصري الراحل حسن الإمام، الذي تحل ذكرى وفاته اليوم، فالعبارات التي يصف بها المخرج الكبير نفسه تدل على إنسان بسيط عشق الفن، وقرر أن يمنحه كل ما يملك، سار مع هوايته وموهبته حتى وصل قمة النجاح، فعطاؤه لم يقتصر على الجانب الإنساني فحسب، بل كان معطاءً على مستوى الفن أيضًا، إذ لم يبخل بموهبته على أحد حتى بعد أن أصبح أيقونة عربية يُحتفى بها في كل مكان.
حسن الإمام، ابن مدينة المنصورة، ولد في 6 مارس عام 1919، كان عاشقًا للفن، يحب أن يقرأ الكتب ويشاهد المسرحيات ويستمع إلى الموسيقى وتعلّق قلبه بهذا العالم، فبدأ سعيه ليكون جزءًا من تكوين الفن الذي أحبه، ونظرًا لإتقانه اللغتين الفرنسية والإنجليزية، عمل مترجمًا للنصوص والمونولوجات المسرحية، حتى جاءته الفرصة ليعمل مساعدًا للفنان الكبير يوسف وهبي، كما عمل مساعد مخرج لفترة في مجموعة من الأعمال، منها "شارع محمد علي"، "حسن وحسن" وغيرها، ومن هنا فُتحت له أبواب الفن على مصراعيّها ليدخل عالم الإخراج من بوابة فيلم "ملائكة في جهنم"، لينتشر اسمه بسرعة في الوسط الفني.
يعتبر حسن الإمام نفسه ابن المسرح، وعن ذلك يقول: "المسرح عشقي والسينما حبي، والفرق بين الاثنين أن العشق يستمر في حياة الإنسان، أما الحب فالإنسان نفسه يحرص على أن يستمر"، ومن هذا المنطلق التحق "حسن" بفرقة مسرح "أبناء رمسيس" رغم النجاح الكبير الظاهر في السينما، واعتبر نفسه هاويًا يبحث عن إشباع رغبته الفنية.
انطلق "الإمام" مع فريقه إلى مدينته المنصورة لينشر الفن بها ويقدم المسرح في كل مكان، يقول: "نحن فرقة مُحبة للفن وكان همنا أن يصل فننا إلى كل مكان، لذا أسسنا فرقة تحمل اسم أبناء رمسيس، وانطلقنا بها إلى المنصورة وقدمنا هناك مجموعة مهمة من العروض، نالت إعجاب الناس وأحبوا وجودنا، وهذا ما شجعنا على أن نستمر في تقديم مسرحيات هناك".
لم يكتف حسن الإمام بإخراج الأعمال الفنية فقد كان ممثلًا بارعًا، وشارك في عدد من الأعمال المسرحية المهمة، ولكن نظرًا لنجاحه الكبير في السينما كان المخرجون لا يعرفون كيف يتعاملون معه كممثل على المسرح، ويقول عن ذلك: "كنت أقول للمخرجين عاملوني كممثل وأنا سأنفذ ما ستقولونه، اشطبوا كلمة مخرج من أذهانكم وتعاملوا مع حسن الممثل فقط"، مضيفًا: "كنت حريصًا على الذهاب إلى المسرح مبكرًا قبل موعد العرض بساعات حتى أذاكر الشخصية وأحفظ تفاصيلها وأُحضِر لها جيدًا، وأتعايش معها حتى تخرج بشكل جيد أمام الجمهور".
لم يتوقف عمل حسن الإمام كممثل في المسرح فقط، بل مثّل أيضًا في الإذاعة، ويقول في لقاء تليفزيوني: "قدمت للإذاعة (أيام راشد رستم)، كانت مسرحية بالفرنسية، أقدمها كل أربعاء على الإذاعة وأحصل من خلالها على ردود فعل رائعة".
حسن الإمام الذي قدّم للسينما أكثر من 100 عمل منها "الخطايا، زقاق المدق، بين القصرين، قصر الشوق، السكرية، شفيقة القبطية، والراهبة"، لقبه الفنان حسين فهمي بـ"ملك الكاميرا"، وحينما سُئل الإمام عن معنى اللقب رد بخجل: "الكاميرا بالنسبة لي هي حديث بين الشخصيات، فالكاميرا تحيا معهم، هي الصدق الناقل لمشاعرهم إلى كل الناس".
تزوج حسن الإمام من نعمت الحديدي ورُزق منها بأولاده حسين الإمام ومودي الإمام وزينب الإمام، ورغم مشواره الطويل قدّم عملًا واحدًا للتليفزيون وأخرج مسرحية واحدة، وكشف عن الأسباب قائلًا: "التليفزيون حذف ثلاث حلقات من مسلسلي (صاحب الجلالة الحب)، دون الرجوع لي ماجعل الناس تجد أن هناك حلقة مفرغة، وتعجبت وقتها كيف لهم أن يحذفوا حلقات دون الرجوع لي، ولم أحب أن أكرر التجربة، أما بالنسبة للمسرح، فهو مولدي الفني، ومسرحيتي (يا حلوة متلعبيش في الكبريت) حققت نجاحًا كبيرًا رغم أن هناك من قالوا عكس ذلك، ولكن أرد عليهم وأقول إن الأفيش ظل موجودًا عامًا ونصف العام، وهذا لم يكن يحدث وقتها، وأحببت أن أتواجد في السينما أكثر".
كان حسن الإمام داعمًا للمواهب الشابة، ويقول في لقاء تليفزيوني:" الجميع يحب أن يشارك في أعمالي ويثقوا بي، ومن يعمل معي يقول لي "أنا لا أنساك" وهذا من فضل ربي، وقد ساهمت في خروج الكثير من الفنانين مثل شمس البارودي ويوسف شعبان وحسن يوسف".
وفي صباح مثل هذا اليوم عام 1988، رحل مخرج الروائع عن عالمنا، وبقيت روائعه التي حققت نجاحًا ساحقًا في السينما، وأثْرّت مكتبة السينما المصرية والعربية، لتظل باقية في قلوب محبيه.