كسر الفنان المصري القدير عماد حمدي قاعدة "وسامة الشكل" كشرط أساسي لتصدر بطولة الأعمال الفنية، فكان مختلفًا ليس فقط في أدائه وصوته ولكن قدرته على تغيير النظرة للفتى الجان التي كانت المقياس الأول للحصول على البطولة المطلقة، حيث خدمه القدر بصورة لم يكن يتوقعها وحصد بسببها لقب فتى الشاشة الأول.
علّق عماد حمدي في لقاء تلفزيوني نادر عن هذا الأمر ليقول: "شكلي المختلف كان بوابة دخولي للفن، وتربعت على أدوار الفتى الأول لمدة 15 عامًا قدمت خلالها أكثر من 150 فيلمًا تعد نصف أعمالي التي قدمتها، إذ إنني قدمت في مشواري الفني نحو 300 فيلم".
لم يكن التمثيل هو المهنة التي بدأ بها الفنان عماد حمدي حياته، لكنه بدأ عمل كاتبا بأحد المستشفيات لمدة 3 سنوات، وهو ما انعكس على إجادته لدور الطبيب في أعماله فيما بعد، قبل أن يستقيل من هذه الوظيفة ليعمل محاسبًا في استديو مصر، بحيث يكون قريبًا من الوسط الفني رغبة منه في الحصول على فرصة مناسبة بعد أن شعر برغبته الشديدة في أن يصبح ممثلًا، وذلك بحسب ما أكده في لقاء تلفزيوني سابق.
يقول عماد حمدي عن بدايات حياته في أحد اللقاءات التلفزيونية النادرة: "لم أكن أعرف أنني أريد أن أصبح ممثلًا إلا عندما نضجت، لكن كانت هناك مؤشرات لهذه الرغبة منها ذهابي لشارع عماد الدين بدون علم أهلي لرؤية الفنانين وهم يجلسون على المقاهي، فكنت أسير وراءهم لأعرف كيف يتصرفون ويتعاملون، ومن قبلها اشتراكي في فريق التمثيل بالمدرسة، حتى إن دخولي كلية التجارة جاء عن طريق الخطأ، فكنت أكره الحسابات ورغم ذلك طلبت من أحد الأشخاص أن يجد لي عملًا معه في استديو الفن الذي عملت فيه محاسبًا ورغم عدم حبي للحسابات لكني صبرت على هذه المهنة كي أكون قريبًا من الفنانين حتى أجد من يكتشفني".
لعب الحظ دورًا كبيرًا في حياة عماد حمدي، إذ قادته مصادفة غريبة لتحقيق أمنيته في دخول مجال التمثيل، بعد أن فشلت كل محاولاته في إقناع أصدقائه المخرجين بإعطائه دورًا في أعمالهم، لتأتي فرصته عن طريق أحد لا تربطه أي علاقة به، ويقول عن دور القدر في منحه فرصته الأولى بالوقوف أمام الكاميرا: "عملت في وظيفة باستديو مصر لمدة 8 سنوات وللأسف لم أحصل على فرصتي في دخول مجال التمثيل، حتى جاءت مصادفة غريبة، إذ كان المخرج كمال التلمساني يبحث عن وجه جديد يعمل في فيلمه "السوق السوداء" بمواصفات خاصة، ورفض كل النجوم المعروفين، وقال أريد وجهًا جديدًا، والغريب أن كل المواصفات كانت تشبهني تمامًا، وعندما رآني بالمصادفة عرض عليّ الأمر ووافقت على الفور، وبالفعل قدمت معه أول فيلم وأول بطولة مطلقة لي ولكن الفشل الذريع كان من نصيب هذا العمل، لدرجة أنه في أول أيام عرضه، الجمهور كان يبحث عن المخرج لضربه في الوقت الذي أكدوا لي أنني قدمت دوري بشكل جيد".
قدّم "عماد" ثاني تجاربه في السينما مع عقيلة راتب فى فيلم "دائمًا في قلبي" الذي يعد أول فيلم للمخرج صلاح أبو سيف، وحقق نجاحًا كبيرًا، وتقاضى عنه عماد مكافأة قدرت بـ200 جنيه، بحكم عمله في استديو مصر.
يعتبر فيلم "سجى الليل" نقطة تحول في بدايات عماد حمدي، بعدما وضعه في مصاف النجوم الكبار، ويقول عن تلك التجربة: "يعتبر هذا الفيلم هو الأول الذي لم يعتمد على غناء أو رقص أو كوميديا، لكنه اعتمد على الدراما الجادة التراجيديا، ورغم ذلك حقق نجاحًا منقطع النظير ليكون أول أدواري كفتى الشاشة الأول في عمر الـ36 عامًا".
شكّل عماد حمدي مع الفنانة فاتن حمامة ثنائيًا مختلفًا أطل على شاشة السينما المصرية، وقدّم معها أفلامًا مثل "ست البيت" و"آثار في الرمال" و"عبيد المال"، و"موعد مع السعادة"، "موعد غرام" و"لن أبكي أبدًا"، و"لا أنام" و"حتى نلتقي"، و"الزوجة العذراء" و"داعًا يا غرامي"، "بين الأطلال"، ويقول عماد عن الفيلم الأخير إنه أقرب الأعمال لقلبه رغم أنه لم يظهر فيه كـ"فتى الشاشة الأول"، إذ جسّد فيه دور كاتب كبير، مشيرًا إلى أن فاتن أكثر فنانة جمعه عمل معها يليها الفنانة الراحلة شادية ثم مديحة يسري وسميرة أحمد.
لم يجمع الفن بين عماد وشادية فى السنما حيث قدما سويا أفلام "أقوى من الحب" و"ليلة من عمري" لكن جمعهما أيضًا عش الزوجية، لتكون ثالث زيجاته، على الرغم من أنها كانت تصغره بنحو بـ20 عامًا، ولم يدم الزواج الذي انتهى بالطلاق، ليتزوج من الفنانة نادية الجندي التي كان يكبرها أيضًا بسنوات طويلة.
كان لدى عدد كبير من الجمهور اعتقاد خاطئ بأن عماد حمدي هو من شارك في فيلم " عايدة" مع الفنانة أم كلثوم، لكن المفارقة الغريبة أن شقيقه التوأم عبد الرحمن هو من قدّم بطولة الفيلم أمامها، لكنه لم يستمر في مجال الفن وانتقل للعمل مفوضًا في الخارجية المصرية، بينما واصل عماد نجاحاته في السينما والدراما حتى آخر يوم في حياته.
مثّلت فترة الستينيات نقلة نوعية في أدوار عماد حمدي الذي تمرد على شخصية فتى الشاشة ليقدم أدوارًا تناسب عمره آنذاك، ومنها دور الأب والرجل الكبير في عدد من أفلامه في هذه الفترة مثل "أم العروسة"، و"الخطايا" مع عبد الحليم حافظ، و"عفريت مراتي" مع شادية وصلاح ذو الفقار، و"حكاية 3 بنات"، وغيرها الكثير من الأعمال التي ناقش من خلالها موضوعات مهمة.
قدّم عماد حمدي شخصيات مختلفة وغير تقليدية عليه ومنها شخصية المدمن في فيلم "ميرامار" للأديب العالمي نجيب محفوظ، ويقول عن العمل: "كنت في حيرة من قبول الدور، لأن الشخصية جديدة عليّ ،ولم أكن أعرف كيف يتصرف متعاطي مخدر الحشيش، فحاولت أن أجتهد فيه والحمد لله وجدت قبولًا على الشخصية عند الجمهور، كما قدمت في فيلم "سونيا والمجنون" شخصية السكران، فكلها شخصيات مختلفة عن شخصيتي الحقيقية".
غضب الجمهور من عماد حمدي في فيلم "الخطايا" بعد أن صفع عبد الحليم على وجهه ما تسبب وقتها في كسر أحد أسنان العندليب، ليبرر عماد موقفه بأن عبد الحليم هو من طلب منه أن يضربه بهذه القوة، ليقدم الثنائي بعدها فيلمًا آخر وهو "أبي فوق الشجرة" الذي حقق نجاحًا كبيرًا.
كان للتلفزيون نصيب من وقوف عماد حمدي أمام كاميرا الشاشة الصغيرة، ليقدم مسلسل "عيلة الدوغري" و"أبدًا لن أموت" و"الوهم"، و"عنترة"، وغيرها، وقدّم شخصية تاريخية في مسلسل "سليمان الحلبي" وجسّد شخصية أحد علماء الأزهر متحدثًا باللغة العربية الفصحى.
عانى عماد حمدي في آخر مشوار حياته ليذوق طعم الحزن بعد وفاة شقيقه التوأم عبد الرحمن، ليعتزل الحياة الاجتماعية ويمكث في منزله ما تسبب في دخوله مرحلة اكتئاب ليرحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 1984، تاركًا ورائه رصيدًا وافرًا يخلد اسمه في ذاكرة المشاهد العربي.