لم تسلم محطات توزيع المياه في غزة، التي تعد السبيل الوحيد للسكان للحصول على القليل من الماء الصالح للشرب من قصف الاحتلال الإسرائيلي الذي تعمد استهدف المناطق المكتظة بالمدنيين، ما تسبب في استشهاد الكبار والأطفال.
كرم، الطفل الغزيّ البالغ من العمر تسع سنوات، استُشهِد في غارة جوية لأنه ذهب لجلب الماء للعائلة، كما استُشهِدت شقيقته لولو، وعمرها عشر سنوات، حين ذهبت لمساعدته.
كان الشقيقان ينتظران بجوار محطة توزيع مياه، حاملين دلاءً وصفائح، عندما قُصفت المحطة الأسبوع الماضي، ما أسفر عن استشهاد ستة أطفال وأربعة بالغين وإصابة 19 آخرين، معظمهم من الأطفال، وفقًا لصحيفة "ذا جارديان" البريطانية.
كان كل طفل يحمل دلو ماء، وسقط ميتًا في مكانه، غارقًا في دمائه، مزقت الشظايا أجسادهم الصغيرة وشوهت وجوههم، بينما ملأ رائحة البارود المكان.
استُشهِد كل من كرم ولولو على الفور، مُمزَقيْن إربًا من قوة الانفجار، ومُشوهيْن لدرجة أن والدهما منع والدتهما من رؤية جثتيهما.
قالت الأم هبة الغصين: "لم يسمحوا لي بتوديعهما أو حتى النظر إليهما للمرة الأخيرة.. عانقني أحد إخوتي، مُحاولًا حجب المشهد عني بينما كان يبكي ويحاول مواساتي، وبعد ذلك، لا أتذكر شيئًا".
حلم الطفلان أيضًا باليوم الذي سترفع فيه إسرائيل حصارها عن غزة، ليتمكنا من تذوق الشوكولاتة والمعكرونة سريعة التحضير وأشهى أطباق والدتهما.
جلبت جماعات الإغاثة الماء في شاحنات لملء خزانات محطة توزيع مياه على بُعد بضعة شوارع من المدرسة التي لجأت إليها العائلة بعد قصف منزلها، حيث كان كرم ينتظر هناك في الحرّ الشديد دوره عند الصنابير التي غالبًا ما تنقطع.
وذكرت الأم: "لم يكن لديّ خيار سوى إرسالهما.. في كثير من الأحيان، كان ابني ينتظر دوره، أحيانًا لساعة، لينتهي به الأمر بلا شيء لأن الماء كان ينفد قبل أن يصل إلى الجميع".
وعندما حصل على الماء، كانت سعته 20 لترًا فقط، وهو قليل جدًا لعائلة مكونة من سبعة أفراد، ولكنه ثقيل على طفل صغير، إلا أنه كان يحمله دون كلل أو تذمّر".
فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حصارًا شاملًا لمدة 11 أسبوعًا بدءًا من مارس، ما دفع غزة إلى حافة المجاعة، ولم تُخفف كميات الغذاء والوقود والإمدادات الطبية المحدودة للغاية المسموح بدخولها منذ مايو من حدة الجوع الشديد.
ومن جهته، قال طبيب بريطاني يعمل في غزة، هذا الأسبوع، إن "سوء التغذية غير المسبوق يقتل الأطفال، ويمنع المصابين من التعافي".
لطالما كانت محاولة الحصول على الطعام بمثابة مغامرة قاتلة لأشهر، إذ قتل جيش الاحتلال أكثر من 800 شخص منذ أواخر مايو في هجمات شبه يومية شنَّها جنود إسرائيليون باستخدام أسلحة، بما في ذلك قذائف الدبابات والمدافع البحرية، لاستهداف الحشود اليائسة بالقرب من نقاط توزيع الغذاء.
وتعد محاولة الحصول على مياه نظيفة أيضًا صراعًا، بعدما دمرت الهجمات الإسرائيلية -المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023- محطات معالجة المياه وشبكات الأنابيب.
وفي يونيو، حذَّرت "يونيسف" من أن غزة تواجه جفافًا من صنع الإنسان، وأنه بدون وقود لتشغيل المحطات المتبقية، قد يبدأ الأطفال بالموت عطشًا.