تشهد إسرائيل خلافًا حادًا بين حكومة بنيامين نتنياهو والمؤسسة العسكرية حول خطة إقامة ما يُسمى بـ"المدينة الإنسانية" للفلسطينيين في جنوب قطاع غزة، في خلاف وصفته صحيفة "ذا جارديان" البريطانية بأنه تحوّل إلى "عداء مفتوح" بين القيادة السياسية والعسكرية.
المشروع المثير للجدل
كشف وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس، الأسبوع الماضي، عن أوامره لجيش الاحتلال بوضع خطط لإقامة مخيم في منطقة رفح الفلسطينية، إذ سيتم حشر الفلسطينيين في منطقة محصورة بين المعبر و"ممر موراج".
وبحسب "ذا جارديان"، تنص الخطة على نقل 600 ألف شخص في البداية، تمهيدًا لنقل كامل سكان غزة، مع السماح لهم بالمغادرة فقط إلى خارج القطاع.
رفضت حركة حماس الخطة بشدة، إذ وصف حسام بدران، العضو البارز في الحركة، المشروع في تصريحات لصحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "محاولة عرقلة متعمدة" تعقّد مفاوضات وقف إطلاق النار، مؤكدًا أن "هذه ستكون مدينة معزولة تشبه الجيتو، وهذا أمر غير مقبول إطلاقًا ولن يوافق عليه أي فلسطيني".
المواجهة المباشرة
تصاعد الخلاف الداخلي خلال اجتماع مجلس الأمن الإسرائيلي، إذ اشتبك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مع رئيس الأركان إيال زمير في مواجهة مباشرة.
وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، نقلتها "ذا جارديان"، فقد عارض زمير المشروع، مؤكدًا أنه سيستنزف الأموال والموارد من الجيش، مما يضعف قدرته على القتال ويقوّض جهود إنقاذ المحتجزين.
وأفادت القناة الإسرائيلية الثانية عشرة بأن نتنياهو انتقد بشدة الخطط المقدمة من جيش الاحتلال، واصفًا إياها بأنها "مكلفة وبطيئة جدًا"، مطالبًا بـ"خطة واقعية" أرخص وأسرع بحلول يوم الثلاثاء.
وأشار مكتب زمير سابقًا، في رد على التماس قانوني من جنود الاحتياط، إلى أن نقل وتجميع المدنيين ليس من أهداف الحرب، خشية من مواجهة جنود الاحتياط لأوامر غير قانونية لارتكاب جرائم حرب.
التكلفة الباهظة
كشفت مصادر في وزارة المالية الإسرائيلية، وفقًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن التكلفة السنوية المقدرة للمشروع تبلغ 15 مليار شيكل، مما يشكّل استنزافًا هائلًا لميزانية الدولة، وسيؤثر على التمويل المخصص للمدارس والمستشفيات والرعاية الاجتماعية.
وقدّر مسؤولون إسرائيليون كبار، حسب موقع "واي نت" الإسرائيلي، تكلفة البناء بين 2.7 إلى 4 مليارات دولار، مع تحمّل إسرائيل للتكلفة الكاملة تقريبًا في البداية، كما تشير التقديرات إلى أن المشروع سيتطلب عدة أشهر من أعمال البناء، وربما يصل إلى عام كامل.
انتقادات محلية حادة
وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، انتقادات حادة للمشروع، محذرًا من أن إجبار الفلسطينيين على الانتقال للمخيم سيشكّل "تطهيرًا عرقيًا" ويُنشئ ما يشبه "معسكر اعتقال".
وأثارت تصريحات أولمرت، التي تحمل مقارنات مع ألمانيا النازية، غضبًا شديدًا داخل إسرائيل، إذ هاجمه وزير التراث عميحاي إلياهو، بشدة قائلًا: "أولمرت يعرف السجن جيدًا، ولا توجد طريقة أخرى لإيقافه عن نشر الكراهية ومعاداة السامية حول العالم".
وفي السياق نفسه، أثارت الخطة قلقًا فوريًا بين حلفاء إسرائيل، بما في ذلك المملكة المتحدة، وفقًا لما ذكرته "ذا جارديان".
وتم الإعلان عن الخطة بينما كان نتنياهو في واشنطن في زيارة رسمية، لكن كان مفهومًا أن المشروع يحظى بدعمه.