في وقت تتصاعد فيه تداعيات الحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، تواجه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أزمة داخلية من نوع مختلف، إذ إن هناك تصاعدًا حادًا في حالات انتحار الجنود، ففي غضون أقل من أسبوعين، أقدم ثلاثة جنود على الانتحار، ما دفع مختصين وأطباء نفسيين للتحذير من أزمة نفسية صامتة تهدد الجنود الإسرائيليين الذين خاضوا معارك في غزة.
وحسب تحقيق أعدته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، بالتعاون مع مصادر ميدانية وطبية، يكشف أبعاد هذه الظاهرة المقلقة، وتعامل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مع معاناة الجنود النفسية.
أعلى معدل للانتحار
وسُجِّلت ثلاثة انتحارات في أقل من عشرة أيام، في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، في مؤشر على خطورة الضغوط النفسية التي يتعرض لها المقاتلون الإسرائيليون، ورغم أن الجيش لا يُفصح رسميًا عن تفاصيل هذه الحالات أو أسماء الضحايا، إلا أن المعلومات المسرّبة ومقابلات مع مختصين تؤكد وجود نمط متصاعد في انتحار الجنود منذ اندلاع الحرب على غزة، ورغم التعتيم الإعلامي، بدأت بعض الأرقام تتسرّب إلى العلن، وفق "يديعوت أحرونوت".
ووفقًا لبيانات نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي مطلع عام 2024، انتحر 21 جنديًا خلال عام 2023، مقارنة بـ17 جنديًا في العام الذي سبقه، وهو أعلى معدل سنوي منذ عام 2011، إذ تشير هذه الأرقام إلى تفاقم الظاهرة، رغم محاولة الجيش التقليل من حجمها بالقول إن "الزيادة ليست كبيرة عند مقارنة أعداد الجنود النظاميين والاحتياط".
موجة انتحار كبرى
وحذر البروفيسور يوسي ليفي بلاز، رئيس مركز ليور تسافاتي لدراسة الانتحار والألم النفسي في مركز روبين الأكاديمي الإسرائيلي، من أن موجة الانتحار الكبرى قد تكون قادمة، وأوضح أن "الضغوط الشديدة التي يعيشها الجنود في المراحل الأولى من الصدمة -مثل ما حدث في 7 أكتوبر- قد تؤجل ظهور الأعراض النفسية، لكن مع مرور الوقت، تتفاقم المعاناة، ويزداد خطر الانتحار".
أشار "بلاز"، إلى أن فترات الأزمات الحادة تُعزز شعور الانتماء الجماعي، وهو ما يُسمى بـ"جميعنا في القارب نفسه"، ما يوفّر دعمًا عاطفيًا مؤقتًا، لكن هذا الشعور يتلاشى تدريجيًا مع مرور الوقت، ليحلّ محله شعور بالوحدة والانعزال، وهو ما يُعد بيئة خصبة لتفاقم الأفكار الانتحارية.
وصمة تمنع العلاج
وحسب "بلاز"، فإن الصمت القاتل يعد واحدًا من أكبر العوائق أمام التعامل مع الأزمة النفسية في صفوف الجنود، والذي يرتبط بوصمة العار المرتبطة بطلب المساعدة، ويؤكد أن الانتحار ليس سلوكًا معديًا، وأن الحديث عنه لا يزيد من احتمال حدوثه، بل يتيح للمصابين أن يشعروا بأنهم ليسوا وحدهم، ويدعو إلى فتح الحوار مع الأشخاص المصابين دون وعظ أو تبرير، فقط الاستماع بإصغاء وبدون أحكام.
ويوفّر جيش الاحتلال الإسرائيلي، من خلال نظام الصحة النفسية التابع له، خدمات دعم تشمل ضباطًا مختصين وعيادات ميدانية، إضافة إلى خط مساعدة متاح على مدار الساعة.
محاولات لمنع الانتحار
وأمام حالات الانتحار اضطر جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى اتخاذ خطوات قد تخفف من هذه الظاهرة، مثل تخصيص خط هاتفي للمساعدة وهو متاح على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ومنذ بداية الحرب تلقى 3900 مكالمة، لمنع حالات الانتحار.
ويسعى جيش الاحتلال لمعرفة أسباب انتحار جنوده، من خلال إجراء تحقيق قيادي في الإطار الزمني الفوري وفتح تحقيق عسكري، وتشكيل فريق بقيادة ضابط برتبة مقدم لفحص عمليات القيادة قبل الحادث.