يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعزيز استخدام الرسوم الجمركية كسلاح اقتصادي لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بالتجارة، في خطوة تهز النظام التجاري العالمي الذي تأسس في الأربعينيات، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال،.
وهدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات البرازيلية، مبررًا ذلك الإجراء الذي سيدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس بمحاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو.
إستراتيجية شاملة للضغط السياسي
بحسب الصحيفة الأمريكية، يمثل التهديد الموجه للبرازيل أحدث الأمثلة، وربما الأكثر جرأة، على استخدام ترامب للرسوم الجمركية كأداة ضغط في قضايا سياسية خارج نطاق التجارة.
وفي يناير، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية على كولومبيا بسبب رحلات إعادة المهاجرين إليها، ثم فرض رسومًا باهظة على كندا والمكسيك والصين لمواجهة تجارة الفنتانيل، كما هدد بفرض رسوم "مذهلة" على البلدان التي تشتري النفط من فنزويلا.
وفي مساء أمس الخميس، أعلن ترامب في رسالة جديدة إلى القيادة الكندية أن الولايات المتحدة ستفرض رسومًا جمركية بنسبة 35% على بعض الواردات الكندية تدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس أيضًا، مبررًا ذلك بأزمة الفنتانيل ومظالم أخرى مع البلاد.
كما استخدم التهديد بالرسوم الجمركية لمحاولة ضمان المزيد من الإنفاق العسكري من دول آسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
محاكمة بولسونارو
يواجه بولسونارو، الحليف السياسي المقرب لترامب، تهمًا بالتخطيط لقلب نتائج هزيمته في انتخابات 2022 من خلال تحريض انتفاضة في يناير 2023 في الكونجرس البرازيلي، عندما اقتحم الآلاف من أنصاره الهيئة التشريعية بعد انتخاب الرئيس الحالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
في رسالة التهديد بالرسوم الجمركية، وصف ترامب المحاكمة بأنها "مجرد هجوم على خصم سياسي.. شيء أعرفه جيدًا"، مضيفًا: "اتركوا بولسونارو وشأنه".
كسر النظام التجاري العالمي
تشير كيلي آن شو، المديرة السابقة لنائب المجلس الاقتصادي الوطني في ولاية ترامب الأولى، إلى أنه "يرى الرسوم الجمركية أداة فعالة في تحقيق النتائج، ليس فقط من ناحية التأثير الاقتصادي، بل أيضًا وسيلة ضغط في جميع أنواع المواقف"، كما يراهن الرئيس الأمريكي على أن التهديد بتقليل الوصول إلى المستهلك الأمريكي سيجبر الدول على الاستسلام لأولوياته السياسية.
هذه التحركات تهز النظام التجاري العالمي الذي تأسس في الأربعينيات، عندما سعت الاقتصادات السوقية إلى وضع الرسوم الجمركية والتجارة فيما بينها على أسس مستقرة.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، قادت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية جهدًا دوليًا لبناء نظام تجاري قائم على القواعد يُبعِد السياسة عن الرسوم الجمركية.
سابقة صينية وتحديات جديدة
منذ عام 2010، بدأت الصين استخدام القيود التجارية لمعاقبة بلدان أخرى على قضايا سياسية لا علاقة لها بالتجارة لا تزال مستمرة، إذ فرضت رسومًا جمركية ثقيلة على النبيذ والشعير الأسترالي بعد دعوة أستراليا لتحقيق دولي في أصول كوفيد-19.
خلال ولاية ترامب الأولى، حيّر الرئيس الجمهوري الحلفاء الأمريكيين مثل كندا، عندما استدعى الأمن القومي لتبرير الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم.
تؤكد جنيفر هيلمان، المتخصصة في قانون التجارة بجامعة جورج تاون والمسؤولة السابقة في الولايات المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، أن "هذا جديد تمامًا".
وأضاف: "ما لا نعرفه هو، هل هذا مجرد أسلوب ترامب، أم هذا هو المستقبل؟".
مخاطر قانونية وتحديات اقتصادية
يواجه نهج ترامب مخاطر قانونية كبيرة، ففي مايو، ألغت محكمة التجارة الدولية الأمريكية العديد من رسوم الرئيس الجمركية، معتبرة أنها غير مبررة بالسلطة القانونية الطارئة التي استشهد بها.
ومن المقرر أن تنظر محكمة الاستئناف في القضية في 31 يوليو، قبل يوم من الموعد المحدد لدخول ما يسمى "الرسوم الجمركية المتبادلة" حيز التنفيذ على البرازيل وعشرات الدول الأخرى.
تزيد رسوم ترامب الجمركية على البرازيل من تلك المخاطر القانونية، إذ تم تبرير الرسوم المتبادلة جزئيًا بحجة أن العجز التجاري المستمر مع دول أخرى يشكل تهديدًا للأمن القومي، إلا أن الولايات المتحدة تحقق فائضًا تجاريًا مع البرازيل يزيد على 7 مليارات دولار العام الماضي.
دفاع الإدارة وردود الفعل المتباينة
تجادل الإدارة بأن الحكومة الأمريكية استخدمت دائمًا الأدوات الاقتصادية لانتزاع تنازلات في السياسة الخارجية من دول أخرى، مثل الاستخدام المكثف للعقوبات الاقتصادية ضد دول معادية مثل روسيا وإيران وكوبا.
وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت إن ترامب يعتقد أن الولايات المتحدة "تجاوزت حدودها" في العقوبات وأنها قد تدفع الدول بعيدًا عن الدولار الأمريكي.
يقول المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي: "تستخدم دول أخرى الرسوم الجمركية بشكل روتيني لتعزيز سياستها الخارجية ومصالح الأمن القومي، والرئيس ترامب ملتزم باستخدام كل أداة في تصرفه لوضع الأمريكيين وأمريكا أولاً".
لكن السيناتور راند بول ينتقد هذا النهج قائلًا: "فكرة التحدث بشكل عشوائي عن رسوم جمركية بنسبة 50% على دولة بناءً على سياسات مختلفة تحدث في تلك الدولة أمر فوضوي للأسواق، ويجعل من الصعب على الشركات التنبؤ، وإذا تم ذلك لأحداث كل دولة، فسيؤدي إلى الفوضى".