يخطط الملياردير إيلون ماسك، صاحب شركتي "تسلا" و"سبيس إكس"، للعودة إلى الساحة السياسية الأمريكية بمشروع جديد يهدف إلى تأسيس "الحزب الأمريكي" للمنافسة في الانتخابات النصفية المقبلة، إذ إن هذه الانتخابات تُجرى كل عامين لتجديد ثلث مقاعد مجلس الشيوخ وجميع مقاعد مجلس النواب.
هدف "ماسك" هو السيطرة على توازن القوى في الكونجرس من خلال فوز مرشحيه بمقاعد كافية لتحديد مصير التصويت على القوانين المهمة، ووفقًا لتحليل نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن نجاح هذا المخطط الجريء يتطلب استثمار مليارات ماسك في استراتيجية سياسية مدروسة تستغل الثغرات التي تركها الحزبان الرئيسيان.
تحالفات متقلبة تثير الشكوك
يشير التحليل إلى أن تاريخ ماسك السياسي المتقلب يثير تساؤلات حول جدية التزامه بهذا المشروع، إذ استمر تحالفه مع الرئيس دونالد ترامب أقل من عام، بينما لم يدم دوره في وزارة الكفاءة الحكومية سوى أشهر قليلة.
كما أن تعهد "ماسك" الأخير بالامتناع عن العمل السياسي لم يستمر سوى أيام معدودة قبل أن يعلن عن مشروعه الجديد.
وأكدت "بوليتيكو" أن أسلوب "ماسك" الاستعراضي والمثير للجدل في وزارة الكفاءة الحكومية، حيث كان يتحدث عن "تقطيع" الإنفاق الحكومي بطريقة مسرحية، أبعد الكثير من الجمهور وقلل من شعبيته، ما يجعله ربما ليس الشخص المثالي لقيادة هذا التحول السياسي الحساس.
درس ترامب وساندرز
يكشف التحليل أن الأحزاب التقليدية في واشنطن فشلت لأنها سعت للوسطية السياسية، كما أن هذه الأحزاب حاولت إيجاد مرشحين "نادري الوجود" يمكنهم الادعاء بالوقوف في المركز الأيديولوجي بين اليمين واليسار وجمع الناخبين المعتدلين من كلا الطرفين، إلا أن هذه الاستراتيجية تفشل في بلد منقسم سياسيًا، حيث اختار معظم الأمريكيين جانبًا محددًا.
بدلاً من ذلك، يجب على "ماسك" تعلم دروس من أنجح السياسيين مثل دونالد ترامب على اليمين وبيرني ساندرز على اليسار، خاصة أنهما نجحا في تحديد المناطق التي يهمل فيها الحزبان الرئيسيان رغبات الناخبين الحقيقية، وبناء قاعدة جماهيرية قوية حول هذه القضايا المهملة.
مثلاً، بنى ترامب صعوده السياسي على ثلاث قضايا شعر الناخبون بعدم تمثيلهم فيها، وهي الهجرة، والتجارة، والأمن العالمي.
الفرصة الذهبية
تشير بيانات مؤسسة "جالوب"، المذكورة في التحليلن إلى فرصة كبيرة في قضية التجارة الحرة، إذ إن 60% من الناخبين المستقلين يرون التجارة الخارجية فرصة لتحسين الاقتصاد الأمريكي وليست تهديدًا منذ 2015، وارتفعت هذه النسبة إلى 81% في الربيع الماضي.
كما أن ترامب نجح في إعادة تنظيم السياسة الأمريكية حول الحماية التجارية، ولم يعد هناك حزب رئيسي يدافع باستمرار عن خفض القيود التجارية، حتى الجمهوريون الذين كانوا يؤيدون التجارة الحرة تاريخيًا أصبحوا يؤيدون أقوى سياسة تعريفة منذ أجيال تحت تأثير ترامب.
أما الديمقراطيون فيفضلون انتقاد نسخة ترامب من الحماية التجارية على تقديم حجة إيجابية واضحة للتجارة الحرة، ما يترك فجوة كبيرة يمكن لماسك ملؤها بحزب يدافع عن التجارة الحرة.
تحدي الأزمة المالية
يؤكد التحليل أن معظم الأمريكيين يقلقون من الإنفاق الحكومي المفرط والديون الوطنية المتراكمة، لكن لا يوجد حزب رئيسي موثوق في التعامل مع هذه المشكلة بجدية.
إدارة جو بايدن زادت حجم الانفاق الحكومي من خلال برامج إنفاق ضخمة، وفشلت في فرض الزيادات الضريبية الموعودة على الأثرياء لتمويل هذا الإنفاق.
في المقابل، وضع الجمهوريون التخفيضات الضريبية قبل المسؤولية المالية لربع قرن كامل، إذ وضع "مشروع ترامب الجميل الكبير" أمريكا على مسار تحمّل تريليونات من الديون الجديدة من خلال تخفيض الضرائب دون تقليل الإنفاق بالمقدار نفسه.
تجربة بمليارات الدولارات
يخلص التحليل إلى أن هذه الفجوات الأيديولوجية والنقاط العمياء في مواقف الحزبين الرئيسيين تشكل فرصًا ذهبية لأي رائد أعمال سياسي، خاصة من يستطيع إنفاق مليارات الدولارات بحرية على تجربة انتخابية جديدة.
كما أن ماسك، الذي تقدر ثروته بأكثر من 200 مليار دولار، يملك الموارد المالية لتمويل حملات انتخابية ضخمة في عدة ولايات في وقت واحد.
ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كان "الحزب الأمريكي" سيوجد بشكل منظم أو أن ماسك قادر على تنفيذ استراتيجية سياسية منضبطة ومستمرة في عصر الاضطراب المتواصل في السياسة الأمريكية، خاصة مع تاريخه في التراجع عن التزاماته السياسية.