وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لندن، اليوم الثلاثاء، في زيارة دولة تستمر ثلاثة أيام، تهدف إلى تعزيز العلاقات بين فرنسا وبريطانيا وتجاوز تداعيات خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي.
وتعد هذه الزيارة الأولى لرئيس فرنسي منذ "البريكست" وأول قمة بين الحكومتين البريطانية والفرنسية منذ عودة دونالد ترامب إلى السلطة، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.
الاستقبال الملكي
بدأت الزيارة الرسمية بوصول ماكرون وزوجته بريجيت إلى المطار، حيث كان في استقبالهما الأمير ويليام ولي العهد وزوجته كيت، قبل أن ينتقلا إلى قلعة وندسور حيث استقبلهما الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا.
وتضمنت الزيارة مظاهر احتفالية كبيرة، بما في ذلك جولة بعربة تجرها الخيول ومأدبة ملكية، كما سيقوم ماكرون بزيارة دير وستمنستر، حيث يدفن ثلاثون ملكًا وملكة، قبل أن يلقي خطابًا أمام أعضاء مجلس اللوردات والنواب في قصر وستمنستر.
كما سيضع الرئيس الفرنسي إكليلًا من الزهور عند تمثالي ونستون تشرشل وشارل ديجول.
التعاون العسكري والأمني
يشكل التعاون في دعم أوكرانيا أحد المحاور الرئيسية للزيارة، إذ سيلتقي الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في قاعدة نورثوود العسكرية في شمال غرب لندن يوم الخميس، لمتابعة التخطيط لقوة حفظ السلام الأوروبية التي أسساها في مارس الماضي تحت اسم "تحالف الراغبين".
سيشارك في هذا الاجتماع قادة غربيون آخرون عبر الفيديو، بما في ذلك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والمستشار الألماني فريدريش ميرز، وفقًا لما ذكرته لوموند.
تأتي هذه الجهود في ظل قلق أوروبي متزايد من تراجع الالتزام الأمريكي بالدفاع عن أوروبا، خاصة بعد قرار وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث وقف شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا.
وكما أوضح بيتر ويستماكوت، السفير البريطاني السابق في فرنسا، لنيويورك تايمز: "يدرك القادة أن بريطانيا وفرنسا يجب أن تتولى القيادة، خاصة في ظل الطبيعة المتقلبة لالتزام ترامب بالدفاع عن أوروبا".
سيناقش القادة أيضًا قضايا الردع النووي، إذ تحدث ماكرون سابقًا عن إمكانية توسيع المظلة النووية الفرنسية لتشمل دول أوروبية أخرى، بينما تقوم بريطانيا بذلك فعليًا كجزء من عضويتها في الناتو.
وكما أشارت جورجينا رايت، الخبيرة في العلاقات الفرنسية البريطانية بصندوق مارشال الألماني لنيويورك تايمز، فإن "هناك قلقًا حقيقيًا في أوروبا من أن الدرع النووي الأمريكي لن يكون متاحًا في المستقبل".
أزمة الهجرة
تحتل قضية الهجرة غير الشرعية عبر بحر المانش مكانة بارزة في محادثات القمة، إذ يسعى ستارمر للتوصل إلى اتفاق "واحد داخل، واحد خارج"، بموجبه تعيد بريطانيا إلى فرنسا الأشخاص الذين عبروا المانش بطريقة غير قانونية، مقابل استقبال عدد مماثل من طالبي اللجوء المعالجة طلباتهم.
الهدف من هذا الاتفاق هو كسر قبضة العصابات الإجرامية التي تهرب المهاجرين عبر المانش، حسب ما ذكرته نيويورك تايمز.
وفقًا لصحيفة لوموند الفرنسية، شهدت الأشهر الستة الأولى من العام الحالي ارتفاعًا بنسبة 48% في أعداد المهاجرين الواصلين بالقوارب الصغيرة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث وصل العدد إلى حوالي 20 ألف شخص.
واتخذت الشرطة الفرنسية مؤخرًا تدابير أكثر صرامة لمنع هذا العبور، بما في ذلك تمزيق قوارب مطاطية بالسكاكين لإفراغها من الهواء قبالة الشاطئ مباشرة، وفقًا لنيويورك تايمز.
آمال ستارمر في مثل هذه الصفقة تراجعت بعد شكاوى من إيطاليا وإسبانيا واليونان وأعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي من أن ذلك قد يؤدي إلى امتصاصهم لفيض من طالبي اللجوء المرحلين.
وكما أوضح بيتر ريكيتس، السفير البريطاني السابق في فرنسا، لنيويورك تايمز: "الأمر صعب على الفرنسيين لأن أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين سيراقبونهم مثل الصقور".
التحديات الداخلية وترامب
تواجه كل من القيادتين الفرنسية والبريطانية تحديات سياسية داخلية صعبة، إذ انخفضت شعبية ستارمر إلى أدنى مستوياتها، حيث تجاوز حزب "إصلاح المملكة المتحدة" اليميني المتطرف حزب العمال في استطلاعات الرأي، بينما يواجه ماكرون أيضًا صعوبات سياسية في الداخل الفرنسي.
اختلف ماكرون وستارمر إلى حد ما في تعاملهما مع ترامب، إذ يواصل ستارمر سياسة عدم الاختلاف مع الرئيس الأمريكي، سواء في قضايا التجارة أو الأمن، بينما كان ماكرون أكثر استفزازًا، بحسب ما تشير نيويورك تايمز، إذ أجرى مؤخرًا زيارة بارزة إلى جرينلاند التي هدد ترامب بضمها، واشتبك معه بعد اجتماع مجموعة السبع الأخير في كندا، حسب ما أوردته نيويورك تايمز.
تأتي هذه الزيارة في سياق إعادة تعيين العلاقات التي بدأها ستارمر مع الاتحاد الأوروبي منذ وصوله إلى داونينج ستريت في يوليو 2024، إذ استضاف بسرعة قمة للمجتمع السياسي الأوروبي.
وكما أوضح سيباستيان مايار، المستشار الخاص لمعهد جاك ديلور والخبير المشارك في مركز تشاتام هاوس في لندن، للوموند: "المسؤولون الفرنسيون يحتفظون أيضًا بذكريات سنوات البريكست، لكن البلدين يحاولان قلب الصفحة، مع عدم ثقة متبادلة، لتحمل مسؤولياتهما في مواجهة روسيا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام الدولي الذي يتعرض للاختبار من قبل دونالد ترامب".