اكتشف علماء الآثار نقوشًا قديمة داخل الهرم الأكبر في مصر، تعكس هوية بناة هذا الصرح العظيم قبل 4500 عام، وتعيد كتابة التاريخ حول هرم الملك خوفو وتسلط الضوء على مهارات العمال القدماء والتنظيم الذي تمتعوا به.
دحض الرواية اليونانية
اليونانيون القدماء رأوا أنه تم بناء الهرم على يد 100 ألف شخص من العبيد، عملوا في نوبات عمل مدتها ثلاثة أشهر على مدى 20 عامًا، لكن الاكتشافات الجديدة داخل الهرم الأكبر أثبتت عكس الرواية، إذ أظهرت أنه بُني على يد عمال مهرة بأجر، يعملون باستمرار، ويأخذون يوم إجازة كل 10 أيام.
استكشف عالم المصريات الدكتور زاهي حواس وفريقه مؤخرًا سلسلة من الغرف الضيقة فوق حجرة الملك باستخدام تقنية التصوير، وعثروا على نقوشٍ تعود إلى فرق من العمّال المهرة لم يسبق لها مثيل، تركوها منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
نظام غذائي غني
أكد "حواس"، خلال حلقة من بودكاست "مات بيل ليميتليس"، أنه تم العثور عليها في حجرات يصعب الوصول إليها، كما أنها اعتمدت أساليب كتابة "لا يستطيع تفسيرها بدقة إلا علماء المصريات المدربون".
وكشف "حواس" أن التحليلات التي أجراها فريقه على عظام الحيوانات التي عثروا عليها في "مدينة العمال" بجانب الهرم، بيّنت أن النظام الغذائي لهؤلاء العمال كان غنيًا، إذ كان يتم ذبح 11 بقرة و33 ماعزًا يوميًا لإطعام نحو 10 آلاف عامل، وهو ما يخالف الاعتقاد السائد بأنهم كانوا يقتصرون على تناول الخبز والثوم والبصل فقط.
مقابر العمال
وإلى جانب هذه النقوش، كان الاكتشاف الرئيسي الثاني هو مقابر بُناة الهرم، وهي أماكن راحة أبدية للعمال المهرة، مزودة بتماثيل للعمال اللذين يصقلون الأحجار، و21 لقبًا هيروغليفيًا تدل على حرفهم مثل "مشرف على جانب الهرم" و"حرفي".
وعثر حواس وفريقه على أدوات داخل المقابر، مثل أدوات الصوان وحجارة الدق، والتي يُحتمل أنها استُخدمت في بناء الهرم الأكبر.
وفي هذا السياق، قال "حواس" إن الاكتشافات تؤكد أن "البناة لم يكونوا عبيدًا.. إذا كانوا كذلك، لما دُفنوا في ظل الأهرامات".
وأضاف: "ما كان العبيد ليجهزوا قبورهم للأبد، كما فعل الملوك والملكات"، وعرض عالم الآثار صورًا لم تُنشر للجمهور من قبل، تُبرز الأسماء المنقوشة على الصخر.
بناء منظم
كما سلّطت أحدث الاكتشافات الضوء على كيفية بناء الهرم، إذ كشفت أن الحجر الجيري من محجر على بعد نحو 300 متر فقط نُقل إلى الموقع باستخدام منحدر من الأنقاض والطين، عُثر على بقايا منه في الجنوب الغربي من الهرم، ما يؤكد أن البناء كان منظمًا باستخدام تقنيات متطورة.
وقال: "قاعدة الهرم الأكبر مصنوعة من صخر صلب، محفور بعمق 28 قدمًا في الأرض، وهذا يعني أنه بعد وضع علامة على القاعدة المربعة، قام البناؤون بنحت جوانب الصخرة الأربعة حتى شكلوا منصة مستوية من الحجر الصلب، بدون كتل، فقط صخر صلب".
وذكر أن "العمال كانوا يعملون في فرق، بعضهم يقطع الأحجار، والبعض الآخر يشكلها، بينما ينقل الباقون المواد باستخدام زلاجات خشبية تُسحب فوق الرمال".
روبوت داخل هرم خوفو
يعمل "حواس" الآن على حملة استكشافية جديدة، بتمويل من مات بيل، ستُرسل روبوتًا إلى الفراغ الكبير داخل هرم خوفو، وهو فراغ تم اكتشافه عام 2017 ويمتد لأكثر من 30 مترًا فوق الرواق الكبير.
وتحدث مات بيل خلال المقابلة عن مشروع الاستكشاف الذي يمثل بدوره أول عملية تنقيب داخل الهرم الكبير في التاريخ الحديث.
ستبدأ عمليات الاستكشاف في يناير أو فبراير من العام المقبل، ومن المتوقع أن تكشف هذه المهمة المزيد من الأسرار عن الهرم الأكثر غموضًا في العالم.