بينما تحتفل القارة السمراء في 25 مايو من كل عام، بيوم إفريقيا الذي يصادف تاريخ تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، والتي تحوَّلت لاحقًا إلى "الاتحاد الإفريقي"، تواصل مصر قيادة التنمية والتكامل بين دول القارة السمراء.
في 25 مايو 1963، وقعِّت 32 دولة إفريقية مستقلة الميثاق التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية في عاصمة إثيوبيا أديس أبابا، بهدف تشجيع إنهاء الاستعمار فى أنجولا وموزمبيق وجنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية (زيمبابوي حاليًا).
وتعهدت منظمة الوحدة الإفريقية بدعم عمل المقاتلين من أجل الحرية، وتم وضع ميثاق يهدف إلى تحسين مستويات المعيشة فى جميع الدول الأعضاء.
وخلال تسعينيات القرن الماضي، ناقش القادة ضرورة تعديل هياكل منظمة الوحدة الإفريقية لتعكس تحديات عالم متغير، وفي عام 1999، أصدر رؤساء الدول والحكومات بمنظمة الوحدة الإفريقية إعلان سرت الذى يدعو إلى إنشاء اتحاد إفريقى جديد.
فى 2002، بمدينة دوربان بجنوب إفريقيا، وكبديل لمنظمة الوحدة الإفريقية، وفي مسعى من القادة الأفارقة لمواجهة تحديات عالم متغير، تحولت "منظمة الوحدة الإفريقية" إلى "الاتحاد الإفريقي" بشكله الحالي، وارتفع الأعضاء من 30 دولة فى 1963 إلى 53 دولة عام 2002، وفي 9 يوليو 2011، أصبحت جنوب السودان العضو الرابع والخمسون في الاتحاد.
كانت الرؤية للاتحاد بناءً على عمل منظمة الوحدة الإفريقية من خلال إنشاء الهيئة التي يمكن أن تسرع بعملية التكامل فى إفريقيا، ودعم وتمكين الدول الإفريقية في الاقتصاد العالمي ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعددة الجوانب التي تواجه القارة.
وكما كانت من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، أسهمت الدولة المصرية في تأسيس هيكل الاتحاد الإفريقي، من خلال تقديم الوفد المصري المشارك بقمة لومي عام 2000 (القمة التأسيسية للاتحاد) طلبًا لإدخال بعض التعديلات على مشروع الوثيقة.
كما صدّقت مصر على 20 اتفاقية فى إطار الاتحاد. وبالنسبة للميزانية، تتحمل مصر بالإضافة إلى كل من جنوب إفريقيا والجزائر وليبيا ونيجيريا النسبة الأكبر له، وهي 15% من ميزانية الاتحاد، وساهمت عبر السنوات الماضية بمبادرات عديدة تضمن أمن وسلامة بلدان القارة وتحقق استقرارها.
تعاظم جهود مصر في إفريقيا
ومنذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى المسؤولية في عام 2014، عظَّمت مصر من جهودها تجاه القارة الإفريقية، من خلال تنشيط التعاون بين مصر والدول الإفريقية في كل المجالات، فضلًا عن استضافة عدد من المؤتمرات والمنتديات المعنية بالاستثمار والاقتصاد والأمن فى القارة، كما كثَّف الرئيس المصري من تحركاته وزياراته لدول القارة.
تصدرت الزيارات الخارجية للرئيس السيسي واستضافته نظراءه الأفارقة قائمة أجندته منذ توليه الحكم، ما يعكس مدى الاهتمام المصري بالقضايا الإفريقية.
وبالإضافة إلى ذلك، عقد الرئيس المصري عددًا كبير من الاجتماعات مع قادة وزعماء ومسؤولين أفارقة زاروا مصر خلال السنوات الاخيرة، أثمرت عن رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي خلال عام 2019، والذى جاء تتويجًا لجهود دؤوبة وحثيثة للدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة، وحرص القاهرة على استعادة دورها في القارة السمراء .
صندوق الضمان الإفريقي
قرر الرئيس السيسى، خلال منتدى إفريقيا فى ديسمبر 2018، أي قبل تولي مصر رئاسة الاتحاد الافريقي بثلاثة أشهر، إنشاء صندوق ضمان مخاطر الاستثمار في إفريقيا؛ لتشجيع المستثمرين المصرين والأجانب بالتوجه نحو الاستثمار بإفريقيا والمشاركة فى تنمية القارة السمراء.
تتمثل أهداف الصندوق في زيادة معدلات الاستثمار بالقارة، وتوفير ضمانات للمستثمرين بشأن المخاطر السياسية والاقتصادية والتي تعد أكبر عائق للاستثمار بالدول الإفريقية.
ومن أهدافه أيضًا، تخفيض أسعار الاقتراض لدول القارة بضمان الصندوق، وتحقيق المزيد من التمويل، فضلًا عن زيادة معدلات التبادل التجارى بين الدول الإفريقية.
ويستهدف صندوق الضمان الإفريقى تحقيق أكبر مكاسب مالية للقارة، فضلًا عن إعطاء الدول الإفريقية قوة تفاوضية فى وجود الصندوق، وجذب الاستثمارات الأجنبية للقارة.
وأعلنت منظمات دولية، أبرزها البنك الدولي والبنك الإفريقى للتنمية والبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، عن دعمها الصندوق.
منتدى إفريقيا 2019
استضافت مصر فعاليات منتدى إفريقيا 2019، الذي ركَّز علي دور القطاع الخاص في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وتعزيز الفرص الاستثمارية بمجالات البنية التحتية والتحول الرقمى والطاقة المتجددة بالقارة السمراء، فضلًا عن التركيز على سبل تمكين المرأة في إفريقيا، واستمرار تمويل الاستثمار في رأس المال البشري، والصحة والتعليم وتطوير قدرات الشباب وتوظيف إمكانياتهم، وتعميق التصنيع المحلي لبلدان القارة وزيادة الروابط الصناعية وسلاسل القيمة.
واستضافت القاهرة نهاية نوفمبر 2019، ورشة عمل "صنع في إفريقيا"، بمشاركة وزراء الصناعة الأفارقة وورؤساء اتحادات صناعات وممثلين عن 25 دولة إفريقية، فضلًا عن خبراء من 8 دول أوروبية والصين وعدد من المنظمات الدولية.
استهدفت فكرة "صنع في إفريقيا" إنشاء نظام معلوماتى لربط الموارد القارية بسلاسل القيمة الإقليمية؛ لتقليل الاعتماد على الواردات من الخارج، بالإضافة إلى "الاتفاق على مواصفات قياسية موحدة لضمان جودة المنتجات المتداولة داخل القارة.
وعملت مصر في إطار توليها رئاسة الاتحاد الإفريقى، على دعم جهود الدول الإفريقية لتوليد الطاقة النظيفة من المصادر المتجددة، في ظل المبادرة الإفريقية للطاقة المتجددة، منذ تدشينها عام 2015، والتي تهدف إلى توليد 10 جيجاوات من مشروعات الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، وزيادة هذه القدرات لتصل إلى 300 جيجاوات بحلول عام 2030.
وصرح الفريق كامل الوزير، وزير النقل المصري، خلال مؤتمر "المدن الإفريقية قاطرة التنمية المستدامة" في يونيو 2019، بأن مصر تولى أهمية كبيرة للتعاون مع الدول الإفريقية فى مجال النقل، ولاسيما فى ظل رئاستها للاتحاد الإفريقى، منها البرى مثل طريق "القاهرة-كيب تاون"، فضلًا عن خطط الربط الملاحي "الربط بين بحيرة فكتوريا والبحر المتوسط".
ويعد طريق "القاهرة-كيب تاون"، أطول مشروع لربط دول شمال إفريقيا بالجنوب، إذ يربط هذا المشروع مصر بجنوب إفريقيا، بطول 11 ألف كيلومتر، ويمر بـ9 دول من شمال القارة، ويمكن المستثمرين من نقل بضاعتهم لأى دول من الدول التي يمر به الطريق في مدة لا تزيد على 4 أيام، على عكس البحر الذى يستغرق شهورًا، وبدأت مصر في تنفيذ المرحلة الأولى للمشروع داخل حدودها.
ويستهدف مشروع الربط المائى "الإسكندرية- فيكتوريا"، عمل نهضة إقليمية لدول حوض النيل، ويتضمن المشروع إنشاء مجارى نهرية وسكة حديد وطرق برية، فضلًا عن توفير شبكات للإنترنت ومراكز لوجستية، ما سيساهم في تنشيط حركة التجارة بين دول القارة .
من خلال اجتماعات متواصلة وجهود حثيثة، نجح القادة الأفارقة وبمساعٍ جادة من مصر في صياغة أجندة التنمية 2063، وهي عبارة عن إطار إستراتيجي للتحول الاقتصادي والاجتماعي للقارة على مدى الـ50 عامًا المقبلة، تستند إلى الإسراع في تنفيذ المبادرات السابقة والحالية الخاصة بالنمو والتنمية المستدامة مثل خطة عمل لاجوس، ومعاهدة أبوجا، وبرنامج الحد الأدنى من التكامل، وبرنامج تطوير البنية التحتية في إفريقيا (PDIA)، وبرنامج التنمية الزراعية الشاملة (CADDP)، والشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (NEPAD), وتعتمد هذه الأجندة أيضًا على أفضل الممارسات الوطنية والإقليمية والقارية في تحقيق التنمية .
وتقسم الأجندة إلى خطة لـ25 عامًا، وأخرى لـ10 سنوات، وخطط قصيرة المدى، وسوف تركز هذه الخطط على الإسراع في تنفيذ إطارات العمل القارية الرئيسية، بالإضافة إلى ضرورة قيام الدول الإفريقية بإلحاق الأطر التشريعية والبرتوكولات المناسبة والصكوك المماثلة مع أجندة 2063.
ونظمت وزارة الخارجية والهجرة المصرية، مساء أمس السبت، احتفالًا بيوم إفريقيا، وألقى الدكتور بدر عبدالعاطي وزير الخارجية والهجرة، كلمة تناول خلالها العلاقات المصرية - الإفريقية، أكد أن الأجندة الإفريقية تأتى على رأس أولويات السياسية الخارجية المصرية، مشددًا على اعتزاز مصر بانتمائها الأفريقي وحرصها على دفع جهود التنمية والتكامل الإقليمي، بما يحقق تطلعات الشعوب الإفريقية.
واستعرض وزير الخارجية الدور الذي تلعبه مصر عبر تولي رئيس الجمهورية رئاسة اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات وكالة تنمية الاتحاد الإفريقى (أودا – نيباد)، وريادة الرئيس المصري لملف إعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات في القارة الإفريقية، واستضافة مصر لمقر المركز المعني بتنفيذ سياسة الاتحاد الإفريقي في هذا الشأن.
وصرح السفير تميم خلاف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أن عبدالعاطي استعرض البرامج التي تنفذها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، ومركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام في دعم الأمن والاستقرار في القارة.
ونوه وزير الخارجية المصري، في هذا الإطار، إلى أهمية تكثيف الجهود لدعم الصومال من خلال تعزيز قدرات مؤسساته الوطنية، وتمكين بعثة الاتحاد الإفريقي للدعم والاستقرار في الصومال من أداء مهامها، مستعرضًا كذلك موقف مصر الداعم للسودان وأهمية احترام وحدة وسلامة أراضيه، وتمكينه من استعادة الأمن والاستقرار فى البلاد.
وفي ما يتعلق بالدعم الاقتصادى والاستثماري المصرى لإفريقيا، أشاد "عبدالعاطي" بالسمعة المتميزة التي تتمتع بها الشركات المصرية في القارة، ولا سيما العاملة في قطاعات البناء والتشييد، والكهرباء، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والاستثمار الزراعي، مشددًا على ما تتمتع به من إمكانيات تؤهلها لتنفيذ المشروعات الكبري في مختلف دول القارة.
كما أشاد بتوسع المبادرات القارية الهادفة لتعزيز التكامل الاقتصادي، مؤكدًا أن تلك الجهود تعكس إرادة سياسية حقيقية تستهدف النهوض بالقارة، وتحقيق السلم والأمن والتنمية للشعوب الإفريقية.