بمجرد أن تطأ قداماك مقر جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين (ساسيرو) في وسط العاصمة المصرية القاهرة، تشعر بأنك في قلب التاريخ، فهذا المكان كان شاهدًا على العصر الذهبي لرموز الطرب المصري، مثل أم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد فوزي وغيرهم الكثير، وكان مرآة لذاكرة فنية صنعت وجدان الأجيال وشاهدًا على مجد طويل من الحكايات، واليوم تستعد الجمعية لكتابة فصل جديد في مسيرتها الممتدة منذ ثمانية عقود، من خلال استعدادها لافتتاح مقرها الجديد في منطقة الدقي، وبمفاجآت تمزج بين التاريخ والفن.
في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة الإخبارية"، كشف الشاعر فوزي إبراهيم، أمين الصندوق وعضو مجلس إدارة الجمعية، عن الاستعداد لإقامة حفل افتتاح رسمي لمقر الجمعية الجديد بالدقي، بحضور عدد من كبار المسؤولين، على رأسهم وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو، ووزيرا التضامن الاجتماعي والشباب، إلى جانب رئيس الجهاز المصري للملكية الفكرية، ورؤساء النقابات الفنية الثلاثة، ورئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية وعدد كبير من الشخصيات العامة.
وأضاف "إبراهيم" أن الحفل لن يكون تقليديًا، بل سيحمل طابعًا وثائقيًا وتاريخيًا خاصًا، وسيتضمن عرض فيلم وثائقي عن الجمعية، يتناول رحلتها منذ تأسيسها وحتى اليوم، تزامنًا مع احتفالها بعامها الثمانين في ديسمبر المقبل، وأشار إلى وجود عدد من المفاجآت الأخرى التي سيُكشف عنها خلال الاحتفال.
متحف فني
وفي خطوة تعكس الوفاء لرواد الفن العربي، كشف "إبراهيم" عن تحويل المقر القديم للجمعية إلى متحف فني، يضم مقتنيات نادرة لفنانين وشعراء شكلوا وجدان الأغنية العربية في القرن العشرين، مؤكدًا: "هذه الجمعية كانت شاهدة على عمالقة الأغنية في الوطن العربي، من أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش، إلى رياض السنباطي وأحمد رامي ومحمد الموجي وكمال الطويل ومحمد فوزي وفاروق شوشة وأبو السعود الإبياري ومحمد حمزة وبيرم التونسي وغيرهم الكثير".
مقتنيات تاريخية
يضم المتحف الجديد مقتنيات فريدة، من بينها مكتب أثري عمره 80 عامًا، كان يجلس عليه كل من فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب، بالإضافة إلى مكتبة أثرية تحتوي على كتب نادرة منذ تأسيس الجمعية في خمسينيات القرن الماضي.
كما سيحتوي المتحف على صور نادرة، منها صورة لأم كلثوم خلال مشاركتها في إحدى الانتخابات، ومجموعة من المخطوطات الأصلية بخط يد النجوم، إلى جانب نوتات موسيقية أصيلة تشهد على ميلاد أعذب الألحان.
حفظ للتراث وتأريخ للهوية
هذا المشروع لا يكتفي بالاحتفاء بالماضي، بل يكرّس نفسه كجزء من المستقبل، إذ يهدف إلى حفظ التراث الموسيقي المصري والعربي، وإتاحته للأجيال الجديدة من المبدعين والباحثين، ضمن رؤية ثقافية تؤمن بأن الإبداع لا يُصان إلا بالوعي بتاريخ من سبقوه.
في وقت تتسارع فيه التقنيات ويحتدم فيه الجدل حول حقوق الملكية الفكرية، تُصر جمعية المؤلفين والملحنين على أن تبقى مساحةً للوفاء، ومؤسسةً تحفظ الشغف بالحرف واللحن، وتحتفل بروّادها لا على الجدران فقط، بل في الذاكرة الجمعية لأمةٍ غنّت يومًا للحب، للوطن، وللإنسان.