كشفت تقييمات استخباراتية أولية قُدِمت للحكومات الأوروبية أن إيران تمكنت من الحفاظ على الجزء الأكبر من مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب رغم الضربات الأمريكية على منشآتها النووية الرئيسية، وفقًا لما أفادت به صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، نقلًا عن مسؤولين أوروبيين اثنين، ما يثير تساؤلات جدية حول ادعاءات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن "إبادة" البرنامج النووي الإيراني.
التوزيع الاستراتيجي للمخزون النووي الإيراني
أوضحت المصادر الأوروبية لـ"فايننشيال تايمز" أن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن مخزون إيران البالغ 408 كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من درجة الأسلحة لم يكن مركزًا في منشأة فوردو، أحد موقعي التخصيب الرئيسيين، وقت الهجوم الذي وقع نهاية الأسبوع الماضي.
وكشفت التقييمات أن المخزون النووي كان موزعًا على مواقع أخرى مختلفة، ما يشير إلى تخطيط مسبق من جانب طهران لحماية أصولها النووية الحيوية.
قال المسؤولون الأوروبيون إن الحكومات الأوروبية لا تزال تنتظر تقريرًا استخباراتيًا كاملًا حول مدى الأضرار التي لحقت بفوردو، التي بُنيت في أعماق جبل قرب مدينة قم المقدسة، وأن تقريرًا أوليًا واحدًا أشار إلى "أضرار واسعة النطاق، لكن ليس تدميرًا هيكليًا كاملًا".
وأشار مسؤولون إيرانيون إلى أن مخزون اليورانيوم المخصب تم نقله قبل القصف الأمريكي للمنشأة، الذي جاء بعد أيام من الضربات الإسرائيلية على البلاد.
تضارب التصريحات الأمريكية والمواقف الرسمية
تتعارض هذه النتائج بشكل صارخ مع تأكيدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كتب على منصة "تروث سوشيال" أمس الخميس، في إشارة واضحة لمنشأة فوردو: "لم يتم إخراج أي شيء من المنشأة.. الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا، وهو خطير جدًا، والمواد ثقيلة جدًا وصعبة النقل"، كما رفض ترامب تقييمًا استخباراتيًا أمريكيًا مؤقتًا تم تسريبه لشبكة "سي ان ان"، والذي قال إن البرنامج النووي الإيراني لم يتراجع سوى بضعة أشهر فقط، وألقى باللوم في التسريب على خصومه السياسيين دون تقديم أدلة، قائلًا: "الديمقراطيون هم من سربوا المعلومات حول الرحلة المثالية للمواقع النووية في إيران، ويجب محاكمتهم".
من جهته، تجنب وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، في مؤتمر صحفي بالبنتاجون أمس الخميس، الإجابة المباشرة على أسئلة الصحفيين حول ما إذا كانت إيران نقلت اليورانيوم من فوردو قبل الضربات، قائلًا: "لست على علم بأي معلومات استخباراتية راجعتها تقول إن الأشياء لم تكن في المكان المفترض أن تكون فيه، أو أنها نُقلت أو غير ذلك".
كما انتقد هيجسيث وسائل الإعلام لتركيزها على التقرير المسرب، والذي شددت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية لاحقًا على أنه "تقييم أولي منخفض الثقة".
تفاصيل العملية العسكرية والأضرار الناتجة
استخدمت الولايات المتحدة قنابل "بانكر باستر" لمهاجمة منشأتي فوردو ونطنز، مرفقي التخصيب الرئيسيين في إيران، الأحد الماضي، كما أطلقت صواريخ كروز على موقع ثالث في أصفهان، والذي كان يُستخدم في دورة تحويل الوقود والتخزين.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية لمنشأة فوردو بعد القصف مداخل الأنفاق مغلقة بالتراب وثقوبًا قد تكون نقاط دخول لقنابل "بانكر باستر" الأمريكية الموجهة بدقة والتي يبلغ وزنها 30 ألف رطل، كما تبدو طرق الوصول متضررة أيضًا.
كانت منشأة فوردو الموقع الرئيسي لتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60% من النقاء، وهي خطوة صغيرة بعيدًا عن درجة الأسلحة، وقال خبراء إن مخزون الـ408 كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب إلى 60% كان مخزنًا في فوردو ونطنز وأصفهان قبل أن تشن إسرائيل حربها ضد إيران في 13 يونيو، علماً بأن إجمالي مخزون إيران من اليورانيوم المخصب كان أكثر من 8400 كيلوجرام، لكن معظم ذلك كان مخصبًا إلى مستويات منخفضة.
تقييمات متضاربة من الجهات الدولية والخبراء
في المقابل، قالت هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية، هذا الأسبوع، إنها قدرت أن الضربات الأمريكية والإسرائيلية "أعادت قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية إلى الوراء بسنوات عديدة"، إلا أن الخبراء حذروا من أنه إذا احتفظت طهران بمخزونها من اليورانيوم المخصب وأقامت أجهزة طرد مركزي متقدمة في مواقع مخفية، فقد لا تزال تتمتع بالقدرة على إنتاج المواد الانشطارية المطلوبة لسلاح.
من جهته، قال رافائيل جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، للإذاعة الفرنسية أمس الخميس إن البرنامج النووي الإيراني "تعرض لأضرار هائلة"، رغم أنه قال إن ادعاءات تدميره الكامل مبالغ فيها، مضيفًا أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أرسل رسالة للوكالة في 13 يونيو محذراً من أن إيران ستتخذ "تدابير خاصة لحماية معداتنا ومواد النووية".
كما طالب جروسي بأن يُسمح لمفتشي الوكالة الأممية، الذين لم يتمكنوا من زيارة المنشآت منذ أن شنت إسرائيل هجومها على إيران، بالعودة إلى المواقع "لحصر مخزونات اليورانيوم، بما في ذلك، والأهم من ذلك، الـ408 كيلوجرامات المخصبة إلى 60%".