يخشى الكثير من عملاء جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" المشاركة في التحقيقات مع مساعدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خوفًا من استدعائهم للإدلاء بشهاداتهم في محاكمات جنائية، ما يؤدي إلى الكشف عن هوياتهم ووضعهم تحت رحمة "حملة كراهية يمينية"؛ حسب تعبير صحيفة "هآرتس" العبرية.
ويخشى هؤلاء العملاء من أن يصبحوا هم وعائلاتهم أهدافًا لـ "آلة السم" التي تستخدمها حكومة نتنياهو ضد أي شخص يُنظر إليه على أنه يشكل تهديدًا للبقاء السياسي لرئيس الوزراء.
ونقلت الصحيفة عن مصادر إن عملاء "الشاباك" استُدعوا لاجتماعاتٍ مع رؤسائهم المباشرين، حيث أُكِّد لهم أنّ هوياتهم محميةٌ قانونًا ولن يُكشف عنها في حال استدعائهم للإدلاء بشهاداتهم. لكن هذه الضمانات أصبحت موضع شك بعد أن كشفت النائبة عن حزب الليكود، تالي جوتليف، العام الماضي عن هوية شريكة زعيمة الاحتجاجات المناهضة للحكومة، شيكما بريسلر، التي يعمل زوجها في الشاباك.
التشهير بالشهود
تضرب الصحيفة مثالًا لأحد أشهر من وقعوا في براثن "آلة السم" التي تديرها زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي.
رغم مرور ما يقرب من ثلاث سنوات منذ أن أدلت بشهادتها، تقف هاداس كلاين، الشاهدة الرئيسية في قضية الهدايا الفخمة، المعروفة أيضًا باسم "القضية 1000"، باعتبارها "الشاهدة الأكثر تهديدًا" بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي ومحاميه أميت حداد.
في هذه القضية، يُحاكم نتنياهو بشبهة الاحتيال وخيانة الأمانة. وقد بدأت حملة التشهير ضد كلاين حتى قبل إدلائها بشهادتها. خلال شهادة سارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء، أمام الشرطة، حيث ألمحت إلى أن كلاين -وهي مساعدة سابقة للمليارديرين أرنون ميلشان وجيمس باكر- ربما احتفظت ببعض الهدايا التي يُزعم أنها كانت مخصصة لنتنياهو.
ووقعت كلاين ضحيةً لانتقادات لاذعة وهجوم من مؤيدي نتنياهو عبر "العديد من التعليقات المسيئةٌ للغاية لدرجةٍ لا تسمح بنشرها"، حسب الصحيفة.
في هذه الأثناء، زعم نتنياهو أثناء محاكمته بتهمة الفساد، مرارا وتكرارا، أنه ضحية حملة شعواء. بينما تعرض القضاة في قضايا الفساد الثلاث ضد نتنياهو لانتقادات "بسبب ترهيبهم، ومنحهم رئيس الوزراء درجة من الاحترام نادرا ما تُمنح لمتهم في إسرائيل".
جثة سياسية
في إحدى المقابلات، شبّه نتنياهو نفسه بأول رئيس وزراء لإسرائيل، ديفيد بن جوريون، الذي تقاعد في كيبوتس استيطاني أواخر عام 1953، مُسلِّمًا رئاسة الوزراء إلى موشيه شاريت.
وقال نتنياهو إن الناس كانوا يلجؤون إليه كما كانوا يلجؤون إلى بن جوريون، متوسلين إليه "لإنقاذ البلاد".
في عام 2009، عاد نتنياهو إلى القمة، متجاوزًا بن جوريون ليصبح أطول رئيس وزراء إسرائيل بقاء "لكن بن جوريون تقاعد ليعيش حياةً متواضعةً في كيبوتسٍ ناءٍ، بينما -وفقًا للائحة الاتهام- طلب نتنياهو وقبل هدايا بمئات الآلاف من الشواكل من مليارديرين.
وبعد هزيمته السياسية، سعى بن جوريون إلى المصالحة مع منافسيه، في حين يواجه نتنياهو اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة ونشر الكراهية.
وفي الاستجواب المتبادل الذي بدأ مع نتنياهو الأسبوع الماضي، استخدم نتنياهو عدة مرات عبارة "الجثة السياسية"، مما يشير إلى أنه بعد خسارته منصب رئيس الوزراء أمام إيهود بارك في انتخابات عام 1999، أصبح مواطنًا عاديًا لا يتوقع العودة إلى الحياة السياسية.
طلب الهدايا
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي حريصًا على إظهار أن علاقته مع قطب هوليوود ميلشان -والتي يقول إنها بدأت خلال السنوات التي أعقبت هزيمته تلك- تقوم على الصداقة، وليس المصالح المتبادلة، كما تزعم النيابة العامة وكما شهدت كلاين.
لكن وفق "هآرتس" تشير الأدلة إلى خلاف ذلك. تنشر الصحيفة تقويم يُفصّل اجتماعات نتنياهو على مدى عدة أشهر في أوائل عام 2000، وهي الفترة التي زعم فيها في المحكمة أنه كرّسها لعائلته. لكن التقويم مليء بالاجتماعات السياسية؛ وتشمل الأسماء ناتان إيشيل، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لهيئة موظفي نتنياهو، وأعضاء الكنيست من حزب الليكود.
أيضًا على جدول الأعمال شلومو فيلبر، رئيس مجلس "يشع" الاستيطاني آنذاك، والذي سيشهد لاحقًا ضد نتنياهو فيما يسمى بـ "القضية 4000"، والتي يُزعم أن نتنياهو منح فيها امتيازات تنظيمية لشركة الاتصالات العملاقة "بيزك" مقابل تغطية إيجابية على موقع "والا" الإخباري، المملوك وقتها للشركة.
كما يُظهر التقويم لقاءات متكررة مع المحامي الشاب والسكرتير السابق لنتنياهو، جدعون ساعر، وزير خارجية إسرائيل الحالي.
أيضًا، أطلق نتنياهو، أثناء انقطاعه عن الحياة العامة، بهدوء حملة مصالحة مع النخب التي طالما شتمها، والتي زعم أنها دبرت إبعاده عن مقر إقامة رئيس الوزراء. والتقى مع صحفيين ومعلقين بارزين كانوا معادين له في السابق، مثل أمنون أبراموفيتش ورافيف دراكر، واستقبلهم في مكتبه في الحديقة التكنولوجية في القدس.
كما يتضمن التقويم أسماء رجال أعمال أثرياء مثل إيرا رينيرت، ومراد زامير، وموتي زيسر. ويغيب اسم واحد بشكل ملحوظ، وهو أرنون ميلشان، الذي وصفه نتنياهو في المحكمة بأنه "صديق مقرب كأخ".