أثار البرنامج الاستقصائي العبري المشهور "عوفدا/ الحقيقة"، الذي تقدمه الصحفية إيلانا دايان على "القناة 12"، عاصفة من الجدل في دولة الاحتلال، بعد بث حلقة جديدة مساء أول امس الخميس حول الطرق التي تُدير بها عائلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلافاتها السياسية، وأهم هذه الطرق هي "آلة السم".
ولسنوات، استخدمت "آلة السم" للتنكيل بالخصوم السياسيين لنتنياهو، مثل أفيجدور ليبرمان وجدعون ساعر، والشركاء الذين يتطلعون إلى البديل مثل يعقوب ليتسمان وأرييه درعي، وكذلك المدعون القضائيون الذين يواجهون رئيس وزراء الاحتلال في المحكمة.
وذكرت الحلقة أن الأدوات التي تم استخدامها من أجل إدارة هذا الجهاز الدعائي القاتم هم دائرة من المغرّدين "أسماؤهم معروفة لكل من صادف المنطقة السياسية الأكثر قبحًا على شبكة إكس"، وأيضًا "مجموعة من المتظاهرين الذين يكونون دائمًا على مسافة نداء"، وهم من نشطاء حزب الليكود.
كما ركّزت الحلقة الاستقصائية على من كانت لعدة عقود "سيدة الظلال" لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهي مديرة مكتبه السابقة حنة ليفيس، التي -حسب التحقيق- كانت هي من تدير "آلة السم" نفسها، بناءً على أوامر سارة نتنياهو.
وكشف التحقيق كيف نظّمت زوجة رئيس الوزراء، كما يُزعم، مظاهرات سبّت فيها المستشار القانوني السابق أفيخاي ماندلبليت والمدعي العام في قضايا نتنياهو، ليئات بن آري.
وفي حلقتها، أشارت "دايان" إلى أن زوجة نتنياهو "تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في شؤون الدولة وتعيينات المسؤولين"، بما في ذلك الجنرالات وقادة جيش الاحتلال.
أيضًا، ظهر أن كبار المسؤولين في مكتب نتنياهو يتعاملون مع سارة باعتبارها رئيس الوزراء الفعلي، حيث لُقبّت بـ"The Boss"، ولديها فريق عمل من نشطاء الليكود الذين يعملون على تلبية أوامرها ويؤدون أي مهمة تكلفهم بها، مهما اندرجت تحت بند الأعمال القذرة.
فضح الخصوم
قالت هاداس كلاين، الشاهدة الرئيسية في القضية 1000، وهي "قضية الهدايا"، التي يُتهم فيها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة، إنها تتوقع فتح تحقيق مع من أدارت "آلة السم" التي يُزعم أنها تحت إشراف سارة نتنياهو، التي كانت، من بين أمور أخرى، مسؤولة عن الهجمات ضدها منذ بدء المحاكمة؛ كما نقلت عنها "يديعوت أحرونوت".
وفي الحلقة الاستقصائية، كُشف عن أن سارة نتنياهو أعطت تعليمات بـ"الاعتناء" بمن حددتهم، بما في ذلك المشاركين في المحاكمة الجارية ضد زوجها.
وبحسب التحقيق، فإن سارة نتنياهو مررت تعليماتها إلى حنة ليفيس، التي كانت -آنذاك- اليد اليمنى لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وتعتبر أقوى امرأة في مكتبه. ومن بين أمور أخرى، في المراسلات بين الاثنتين، أمرت نتنياهو بالعمل ضد كلاين، السكرتيرة السابقة للمنتج الشهير أرنون ميلشان.
وكتبت سارة: "هاداس كلاين، سكرتيرة أرنون ميلشان، التي كانت تفتري علينا منذ سنوات، وتكذب، وتتسخ، وتفسد، يجب أن يتم فضحها". وبعد فترة وجيزة، وفقًا للتحقيق، ظهرت رسائل ضد كلاين، تشبه لغة زوجة رئيس الوزراء في جميع أنحاء الشبكة العنكبوتية.
وخلال محاكمة نتنياهو، وخاصة فيما يتعلق بشهادتها، تعرّضت كلاين لاعتداءات شخصية ومضايقات وتهديدات، حتى إنها رفعت دعاوى قضائية ردًا على ذلك.
أيضًا، عندما أرادت سارة نتنياهو أن تحث نشطاء الليكود على مهاجمة إبيحاي مندلبليت، الذي عيّنه نتنياهو مستشارًا قضائيًا للحكومة -وهو الذي قرر توجيه لائحة اتهام لنتنياهو- قالت: "بيبي سيموت إذا نجح مندلبليت. يجب أن نصعقه ويجب أن نجننه ". وفي أعقاب ذلك، قاموا بمظاهرات أمام بيته ليل نهار.
كذلك نظّمت بمساعدة ابنها يائير حملة مظاهرات ضد المحامية ليئات بن أري، رئيسة طاقم النيابة في محاكمة نتنياهو بتهم الفساد، حيث قام نشطاء الليكود بإعداد فيلم عن خروق بناء في بيت بن أري، والمطالبة بإقالتها من النيابة ومحاكمتها بتنظيم مظاهرات أمام بيتها.
هؤلاء النشطاء، بناء على أوامر زوجة نتنياهو، هاجموا في وقت سابق يسرائيل كاتس، وزير الدفاع الحالي، لأنه كان قد صرّح لدى صدور قرار محاكمة نتنياهو بأنه يثق بالقضاء؛ فتم تنظيم حملة ضده اعتبروه فيها "خائنًا للحزب"، وأنه "طعن رئيس الحكومة في ظهره".
كما نظّموا حملة في حينه ضد جدعون ساعر، وزير الخارجية في حكومة نتنياهو الحالية، الذي كان قد انسحب من الليكود، وأقام حزبًا جديدًا، وعدّوه هو أيضًا خائنًا. ونظّموا ضده حملة شائعات حول علاقات نسائية وتحرشات جنسية، بهدف تحطيم زواجه الحديث من الصحفية جئولا أيبن.
سيدة السر
من بين ما كشفته الحلقة الاستقصائية كان حملة المضايقات التي طلبت سارة نتنياهو تنظيمها ضد جيرانها في مستوطنة "قيسارية"، الذين سمحوا للمتظاهرين بدخول فيللتها والهتاف والصراخ من هناك ضد نتنياهو.
وقتها، اعترضت ليفيس مديرة مكتب نتنياهو، لأن أحد أبناء الجيران قُتل خلال العدوان على غزة. فأجابتها: "بالطبع أعرف. وهل تحسبينني بلهاء. لها ابن قتل في الحرب وهو يقود طائرة، لكنهم يسببون الجنون لبيبي بهذه المظاهرات الحقيرة، ويجب أن نجننهم نحن بالمظاهرات".
واليوم السبت، نشرت إدنا حلباني، التي كانت تُعتبر من "نساء السر" في مكتب رئيس الحكومة على مدار الخمسين عامًا الماضية، ما وصفته صحيفة "معاريف" بأنه "تغريدة استثنائية على شبكة إكس"، إثر بث حلقة "عوفدا".
ومن بين ما كتبته حلباني: "ما رأيتموه في عوفدا ليس سوى لا شيء على الإطلاق. فقط حتى الآن أنا ما زلت ألتزم الصمت".
وكتبت: "بعد النشر في عوفدا ونظرًا للضغط عليّ لفتح فمي، هل ترون كيف يعمل الأمر؟ هل ترون من يدير الحكومة؟ لست متأكدة إن كانت هذه الحكومة قد أرسلت لي حتى اليوم المهددين بالقتل، والسبّابين وكل القرف هذا، لأنه من ناحية، هم يعرفون أنه لا ينبغي لهم استفزازي، وفي اللحظة التي يثيرون أعصابي، سأبدأ في إخراج كل شيء".
وأضافت: "من ناحية أخرى، ربما يظنون أن هذا سيمنعني من التحدث، وفي الواقع، لم تفاجئني حلقة "عوفدا"، لأنها لا شيء على الإطلاق. لكن لا تغضبوا، حتى الآن ما زلت ألتزم الصمت، لذا من فضلكم، دعوني وشأني ولا تضغطوا عليّ".