تشهد المنطقة نوعًا جديدًا ومختلفًا من الصراعات، حيث تخوض إسرائيل وإيران "حرب مدن" جوية عبر مسافات تتجاوز 1600 كيلومتر (1000 ميل تقريبًا) جوًا، تعتمد على الطائرات الحربية والصواريخ والطائرات المسيّرة بدلًا من القوات البرية التقليدية.
أهداف إسرائيلية واسعة وتحديات الديمومة
على عكس الضربة الإسرائيلية السريعة على مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981 التي انتهت قبل أن يدرك العالم ما حدث، تسعى إسرائيل في هذه المواجهة إلى تحقيق أهداف أكثر اتساعًا وطموحًا.
تشمل هذه الأهداف، وفقًا لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، القضاء على الترسانة الصاروخية الباليستية الإيرانية، وتدمير منشآت تخصيب اليورانيوم المتعددة، وإضعاف النظام الإيراني إلى نقطة الانهيار.
يصف سيد كوشال، الخبير العسكري في معهد الخدمات المتحدة الملكي، هذا الصراع بأنه "حرب طويلة للمدن" سيكون من الصعب على أي من الطرفين الاستمرار فيها إذا بقيت الولايات المتحدة على الهامش أو فشلت محادثات السلام.
ويضيف كوشال أن "التفوق الجوي لجيش الدفاع الإسرائيلي يمنح إسرائيل مزايا، رغم أن المسافة وإرهاق المنصات ستؤثر في النهاية".
يدرك كلا الطرفين أن تدخّلًا أمريكيًا قد يكون حاسمًا، حيث يمكن أن يجلب ذخائر اختراق المخابئ غير المتاحة للقوات الإسرائيلية، والقوية بما فيه الكفاية لاختراق منشأة فوردو النووية المدفونة تحت الجبل.
ديناميكية المعركة والخسائر البشرية
تتجلى طبيعة هذا الصراع في مشاهد متكررة، إذ إنّه ليلة بعد ليلة، تدوي صفارات الإنذار عبر إسرائيل، بينما يخترق وابل من الصواريخ الانتقامية الإيرانية السماء، محققًا إصابات في المدن الإسرائيلية.
في المقابل، تهيمن الطائرات الإسرائيلية على الأجواء الإيرانية، وتطارد منصات الإطلاق ومخزونات الصواريخ، وتقتل القادة العسكريين في المناطق السكنية، وتدمر البنية التحتية الحيوية.
حسب الأرقام الرسمية، وضعت وزارة الصحة الإيرانية عدد القتلى جراء الضربات الجوية الإسرائيلية بأكثر من 200 شخص.
من جانبها، فقدت إسرائيل 24 قتيلًا و592 مصابًا حتى يوم الاثنين، وفقًا لمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قال إن الحرب ستستمر "طالما يتطلب الأمر ذلك".
رغم قدرة إسرائيل على إلحاق ألم أكبر بإيران، إلا أن طهران أظهرت تاريخيًّا قدرة على تحمّل خسائر ضخمة خلال الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع العراق في الثمانينيات، كما يؤكد أحمد وحيدي، مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني، لوسائل الإعلام المحلية: "إيران مستعدة لأي احتمالات، ولسنا قلقين بشأن حرب طويلة".
معركة الأرقام
يشكّل التحدي اللوجستي عنصرًا حاسمًا في هذا الصراع، إذ تعتمد إسرائيل على أنظمة دفاع متدرجة تشمل "القبة الحديدية"، و"مقلاع داوود"، و"السهم"، والتي نجحت في إسقاط عدد من صواريخ إيران والطائرات المسيّرة الهجومية، لكن احتياطياتها من ذخائر الصواريخ المضادة ليست لا نهائية، ضاربة مثالًا بأوكرانيا، التي كلما استمر الصراع، كلما أصبحت معدلات الاعتراض أضعف.
يطرح بادي ماكجينيس، نائب مستشار الأمن القومي البريطاني السابق، السؤال المحوري: "ما يشغل بالي هو المخزونات الإيرانية من الصواريخ ومنصات الإطلاق، إلى متى يمكنهم الاستمرار في إطلاق الصواريخ الباليستية بهذا المعدل؟ وماذا عن مخزونات الدفاع الجوي الإسرائيلي؟"
تشير الصحيفة البريطانية إلى أن إيران بدأت الصراع بأكثر من 2000 صاروخ قادر على الوصول إلى إسرائيل، وفقًا للجيش الإسرائيلي.
خلال أربعة أيام، قالت الحكومة الإسرائيلية إن إيران أطلقت أكثر من 350 صاروخًا، والأهم من ذلك، تشير التقديرات اليومية للجيش الإسرائيلي إلى أن الوتيرة تراجعت منذ الليلة الأولى، مما قد يشير إلى أن إيران تحاول الحفاظ على الصواريخ لحرب أطول، أو تكافح لتوصيلها تحت النار الإسرائيلية، أو كلاهما.
الترسانة الإيرانية المتبقية والأسلحة المتطورة
يُقدّر داني سيتريونيتش، الباحث المختص بالشؤون الإيرانية في معهد الدراسات الاستراتيجية القومية في تل أبيب، أن إيران لديها أكثر من ألف صاروخ متبقٍّ قادر على ضرب إسرائيل.
ويضيف: "لكن عليهم حساب الفترة الزمنية التي سيتعين عليهم التأقلم فيها مع إسرائيل، ولست متأكدًا من أنها ستكون حربًا قصيرة".
تشير شخصيات أمنية إيرانية إلى أن أخطر صواريخ طهران لا تزال في الاحتياط، ربما في انتظار استنزاف مخزون إسرائيل من الصواريخ المضادة.
يؤكد المستشار العسكري الإيراني وحيدي: "التقارير حول تقلّص مخزون إيران من الصواريخ سخيفة. لم نستفد بعد بشكل كامل من قوتنا الصاروخية الاستراتيجية. سننشر حربنا الحديثة، بما في ذلك صواريخ الجيل الجديد، عندما نراه مناسبًا".
تشمل هذه الصواريخ المتطورة صواريخ الوقود الصلب ذات الرؤوس الحربية القابلة للمناورة مثل "فتاح-1" و"حج قاسم"، وصاروخ "خرمشهر" ذي الوقود السائل القادر على حمل رأس حربي يزن طنين، والذي أعلنت عنه إيران في وقت سابق من هذا العام، في حين ادّعى الجيش الإسرائيلي يوم الاثنين أنه دمّر ثلث منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية.
يقول ديكر إيفليث، من مركز التحليلات البحرية في أرلينجتون: "إذا تمكن الجيش الإسرائيلي من اختراق وتدمير منصات الإطلاق في أعماق إيران قبل أن تتمكن من الإطلاق، وفعل ذلك باستمرار، فسيكون قد ألغى معظم القدرات الانتقامية الإيرانية"، إلا أنه يضيف أن لتحقيق ذلك، ستحتاج إسرائيل إلى الحفاظ على الهيمنة الجوية على إيران بشكل مستمر، وهو اقتراح صعب على المدى الطويل.
التحديات الاستراتيجية وما وراء الهيمنة العسكرية
يوضح ماكجينيس أن هجمات إسرائيل على إيران دقيقة ومدمرة، بينما معظم الضربات الانتقامية الإيرانية غير دقيقة من وجهة النظر العسكرية.
ويقول: "الأساسيات العسكرية هي أنه في كل مرة تهاجم فيها إسرائيل إيران، يكون لها تأثير كبير، فهي تقلّل من قدرة الدولة الإيرانية على القتال والعمل في كل مرة تقصف فيها".
أما رد إيران، كما يصفه، فيتكون من "صواريخ أقل دقة بكثير، تُطلق على الشاطئ الإسرائيلي حول تل أبيب، حتى لو كان بعضها يستهدف وزارة الدفاع أو مقرات المخابرات أو مرافق الطاقة. هذه لا تحقق نفس التأثير".
رغم ذلك، يصف نتنياهو هجمات إيران الصاروخية بأنها "تهديد وجودي" لإسرائيل، والقصف الصاروخي المطول وعدد القتلى اليومي سيكون عاملًا قد يحد من مدة الهجوم الإسرائيلي.
في النهاية، من المرجّح أن تعتمد النتيجة على "أحداث منخفضة الاحتمال عالية التأثير"، وفقًا لجون ألترمان من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، مثل هجوم يسفر عن خسائر جماعية أو حدث يثير انقسامًا سياسيًا حادًا.
ويضيف: "العمليات العسكرية تهيئ للعواقب السياسية، لكن الحروب لها أهداف ونتائج سياسية عميقة. هذه حرب سياسية أكثر من معظم الحروب، ومقاييس الاستنزاف العسكري التقليدية تبدو في غير محلها بشكل غير عادي".