خلال الفترة من 18 إلى 21 يونيو، يعقد منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادي الدولي دورته الثامنة والعشرين في مدينة بطرسبرج الروسية، ويتمحور موضوع المنتدى حول "القيم المشتركة، أساس النمو في عالم متعدد الأقطاب".
ويكتسب المنتدى خصوصية كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية التي يواجهها العالم أجمع، حيث يُركز على إيجاد نقاط مرجعية مشتركة في ظل الاضطرابات العالمية، وإعادة النظر في نماذج التعاون، وإرساء أسس التنمية المستدامة.
وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على الإطار العام الذي يُحيط بالمنتدى، فضلًا عن معرفة أهم الموضوعات التي سيتضمنها، والنتائج الاقتصادية المُحتملة له.
إطار عام
يُمكن التعرف على الظروف الاقتصادية التي تحيط بمنتدى سانت بطرسبرج، من خلال النقاط التالية:
(-) توترات تجارية: يأتي منتدى سانت بطرسبرج في ظل توترات تجارية كبيرة صدّرها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" للعديد من دول العالم، وهو ما رفع التوقعات السلبية لمنظمة التجارة العالمية، كما يوضح الشكل (1)، بأن تجارة السلع سيحدث بها انكماش بنسبة 0.2% في عام 2025، وذلك بالمقارنة بنمو قدره 2.9% في عام 2024.
ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن ينخفض نمو تجارة الخدمات التجارية إلى 4% في هذا العام، بالمقارنة بـ 6.8% في العام الماضي، وهو الأمر الذي يعكس ضعف الطلب العالمي، وأن التجارة العالمية تشهد تباطؤًا هذا العام.
(-) توترات جيوسياسية بالشرق الأوسط: اشتعلت منطقة الشرق الأوسط بشكل أكبر، خاصة مع بداية الحرب الإسرائيلية الإيرانية في فجر يوم الثالث عشر من يونيو الحالي، فقد أدان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الهجوم الإسرائيلي على إيران، وعرض التوسط بين البلدين، وهو الأمر الذي يوضح أن جانبًا من مؤتمر سانت بطرسبرج سيتناول الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها مؤثرات تنعكس بالسلب على الاقتصاد العالمي أجمع.
متضمنات رئيسية
هناك العديد من الموضوعات التي يتضمنها منتدى سانت بطرسبرج، وذلك على النحو التالي:
(-) بناء عالم متعدد الأقطاب: يعتبر هذا الموضوع من أساسيات منتدى سانت بطرسبرج، إذ يؤكد المنتدى على الرغبة في بناء منظومة دولية عادلة ومتوازنة، قائمة على احترام التنوع الثقافي والمساواة والمصالح المشتركة، ويُركز جدول أعمال المنتدى على السيادة الاقتصادية، وتطوير النظم المالية الوطنية، والاستقلال التكنولوجي، ومواجهة ضغوط العقوبات.
(-) التعاون الدولي: يوجه منتدى بطرسبرج هذا العام تركيزًا كبيرًا على التعاون الدولي، إذ أنه سيستضيف 19 حوارًا تجاريًا حول آفاق العلاقات الاقتصادية الروسية مع الشركاء الأجانب، وهم (إفريقيا، البحرين، البرازيل، فيتنام، الاتحاد الأوروبي، الهند، إندونيسيا، إيران، كازاخستان، قرغيزستان، الصين، أمريكا اللاتينية، منغوليا، الإمارات العربية المتحدة، عُمان، تايلاند، أوزبكستان، جنوب إفريقيا، رابطة دول جنوب شرق آسيا).
وتتضح أهمية هذه الحوارات في أنها ستُركز على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، وإنشاء طرق لوجستية جديدة، وتطوير أنظمة دفع بديلة.
وفي هذا النطاق، يُشجع المجلس العالمي للتجارة والتكنولوجيا على المشاركة الهندية الفعالة في منتدى بطرسبرج، حيث يدعم المجلس البعثات التجارية، ويسهل التواصل بين الشركات، كما يعمل كحلقة وصل بين الجهات المعنية الهندية ومؤسسة "روسكونجرس" الجهة المنظمة الرسمية للمنتدى.
(-) عقد منتدى اقتصادي دولي للشباب: سيُعقد المنتدى الاقتصادي العالمي للشباب "يوم المستقبل" كجزء من منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادي الدولي للشباب، وذلك بدعم من الشبكة العالمية "أصدقاء القيادة" المعتمدة من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC)، إذ سيجمع هذا المنتدى قادة شباب وخبراء ورواد أعمال من أكثر من 100 دولة. ومن هنا، يأتي "يوم المستقبل" انطلاقًا من إيمان روسيا بأهمية إشراك الشباب في العمليات الاقتصادية العالمية.
(-) التحول الرقمي وأنظمة الابتكار: سيولي المنتدى اهتمامًا كبيرًا بالتحول الرقمي وأنظمة الابتكار، باعتباره محركًا أساسيًا للنمو العالمي، إذ سيُركز محور "التكنولوجيا: السعي نحو الريادة" على الاتجاهات الرئيسية في التطوير التكنولوجي، بدءًا من الذكاء الاصطناعي والأتمتة، وصولًا إلى الاستقلالية في الإلكترونيات الدقيقة، والمواد الجديدة، والطاقة، والأمن السيبراني.
(-) الاقتصاد الأخضر: في ظل التوجهات العالمية نحو توطين الاقتصاد الأخضر، سيتضمن منتدى بطرسبرج مسار "البيئة المعيشية"، مع التركيز على القضايا البيئية والتنمية المستدامة، والطاقة الخضراء، ومبادرات المناخ، وهو الأمر الذي يوضح أن المنتدى سيعكس جميع الخطط البيئية التي تسعى إليها الدول المختلفة، والتي أصبحت أساسًا مهمًا في عملية التنمية.
(-) عقد منتدى الشركات الروسية الصغيرة والمتوسطة: يُعقد هذا المنتدى دورته العاشرة في أول أيام منتدى سانت بطرسبرج، حيث سيوفر منصة تُناقش التحديات والفرص التي تواجه هذا القطاع، فالهدف من هذا هو بناء علاقات تجارية قوية مع شركاء دوليين، إذ سيُركز على التعاون الدولي من خلال مشاركة المستثمرين الأجانب، ونقل التكنولوجيا، ودخول الشركات الروسية إلى أسواق جديدة، الأمر الذي يفتح بابًا للاستثمارات أمام العديد من الدول.
(-) نقاش روسي أمريكي: ستنعقد في 19 يونيو حلقة نقاش روسية أمريكية، يُطلق عليها منصة "لتذليل العقبات" واستكشاف آفاق التعاون في مجالات الاستثمار والطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، إذ أنه من بين الضيوف المقرر حضورهم في حلقة النقاش الروسية الأمريكية "ديفيد آرثر براون" المدير التنفيذي لشركة "blockchain" في مجال التكنولوجيا المالية، و"دانيال وولف" المدير المالي لشركة "Sibur Holdings".
ومن هذا، يتضح أن الشركات الأمريكية والروسية تسعى إلى إنعاش العلاقات الاستثمارية بينهما، بشكل يُحقق تقدمًا في العديد من المجالات، خاصة التكنولوجية.
(-) بناء نموذج اقتصادي فعّال: تستهدف روسيا من هذا المنتدى بناء نموذج اقتصادي يقوم على مرونة الصناعات المحلية، وتطوير قطاعات ذات أولوية مثل التصنيع والزراعة والتكنولوجيا المتقدمة، وإبراز إمكانات روسيا الابتكارية واندماجها في العمليات الاقتصادية العالمية.
فروسيا، كما يوضح الشكل (2)، انخفض معدل نموها السنوي من 5.4% في الربع الأول من 2024 إلى 1.4% في الربع الأول من عام 2025، وهو الأمر الذي يوضح أنها تحتاج إلى انتعاش اقتصادي يُحررها من قيود العقوبات، وتأثيرات الأزمة الروسية الأوكرانية.
نتائج مُحتملة
سينعكس مؤتمر سانت بطرسبرج إيجابًا على العديد من الدول المختلفة، وذلك على النحو التالي:
(-) إبرام مزيد من الاتفاقيات: على غرار ما أسفر عنه المنتدى في عام 2024 من إبرام 1073 اتفاقية في العديد من المجالات، فمن المحتمل أن يشهد منتدى عام 2025 إبرام عدد أكبر من الاتفاقيات، وذلك مع تأكيد ممثلي 140 دولة وإقليمًا حضورهم للمنتدى في عام 2025، ومن هنا من المحتمل أن نجد اتفاقيات في مجالات الصناعة، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات اللوجستية، والتجارة، والسياحة مع مختلف الدول المشاركة.
(-) تعزيز تكتل البريكس: تتحد أهداف تكتل البريكس مع منتدى سانت بطرسبرج بشكل كبير، وهو تشكيل عالم متعدد الأقطاب، مما يُرجح أن تكتل البريكس سيشهد اقتراح طلبات عضوية جديدة خلال هذا المنتدى، كما أنه سيطرح عددًا من الأفكار التي سيتناولها في قمته المقبلة في يوليو بالبرازيل، فمن المحتمل أن تُثار فكرة التعامل بالعملات المحلية بين دول تكتل البريكس، وهو الأمر الذي يمهد للأجندة التي يسير عليها تكتل البريكس خلال القمة.
ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن تشهد دول تكتل البريكس زيادة في الاستثمارات الروسية داخلها عقب المنتدى، خاصة الاستثمارات المباشرة.
(-) تعزيز التجارة والشراكات الدولية: من المتوقع أن ينتج عن المنتدى تنوع كبير في العلاقات التجارية، بشكل يُقلل من تحديات التجارة المنتشرة في الوقت الحالي، فالتخلُّص من الرسوم الجمركية للولايات المتحدة الأمريكية سيكون طاولة نقاش رئيسية في المنتدى.
ومن حيث الشراكات، فمن الممكن أن تسعى روسيا إلى جذب شركات من آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وهو الأمر الذي يُعد تحرُّرًا من نظام العقوبات الغربية والأمريكية، فروسيا تستهدف تحقيق نمو إيجابي من هذا المنتدى، عن طريق الاعتماد على العديد من شركاء التنمية.
وفي النهاية، يُمكن القول إن منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادي الدولي 2025 يُعد فرصة مهمة؛ لتعزيز القدرة الاقتصادية للعديد من الدول، فالاضطرابات التي شهدها العالم في الفترة الأخيرة أوضحت أنه من الضروري توسيع قاعدة المشاركة الدولية في التنمية، وعدم الاعتماد على دول محددة، بشكل يُحقق مرونة اقتصادية تستطيع مواجهة التحديات الحالية.
ومن ناحية أخرى، تُعتبر المنتديات الاقتصادية منصة مهمة، تعمل على طرح المشكلات المختلفة التي تعاني منها مختلف الدول، ووضع آليات فعالة في مواجهتها بمشاركة العديد من الخبرات والكوادر، وبالتالي ستتحقق التنمية الاقتصادية المستدامة التي تنشُدها الدول.