الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

نووي بلا تفتيش.. كيف تحصنت إسرائيل خلف ذاكرة المحرقة؟

  • مشاركة :
post-title
مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

استطاعت إسرائيل تطوير برنامجها النووي، مُستغلة ذكرى المحرقة كمبرر لامتلاك السلاح النووي، وبمساعدة فرنسية مباشرة، لتصبح القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تحتفظ بترسانة من حوالي مئة رأس نووي دون رقابة دولية.

شراكة فرنسية سرية

بدأت القصة في الخمسينيات عندما أرسلت فرنسا مئات الفنيين والخبراء إلى إسرائيل، وقدمت لها مفاعلًا نوويًا بقوة 24 ميجاوات، وشرعت في الأعمال الإنشائية عام 1958، بحسب صحيفة "لومانيتيه" الفرنسية.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأسبق شارل ديجول أوقف هذا التعاون عند عودته للسلطة، رغبة في إعادة توجيه السياسة الخارجية الفرنسية، إلا أن المشروع كان قد تقدم بما يكفي لإكماله، إذ دخل المجمع النووي الإسرائيلي في ديمونة بصحراء النقب الخدمة عام 1963، ليصبح قلب البرنامج النووي الإسرائيلي.

المحرقة كسلاح

تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن جوريون لعب دورًا محوريًا في تطوير البرنامج النووي، مستغلًا التوترات الإقليمية وذكرى المحرقة لدى المسؤولين الأوروبيين لإقناعهم بضرورة حماية إسرائيل من هجوم مفاجئ من الدول العربية.

زعم بن جوريون أن إسرائيل يجب أن تستعد دائمًا للأسوأ ولا تعتمد إلا على قدراتها الذاتية، وحسب المؤرخ النووي أفنر كوهين، فإن "فكرة برنامج التسلح النووي كشبكة أمان حظيت بإجماع وطني شبه كامل".

كان إرنست دافيد بيرجمان، أبو البرنامج النووي الإسرائيلي، يؤكد رغم معارضة المجتمع العلمي: "أنا مقتنع بأن دولة إسرائيل تحتاج إلى برنامج بحثي دفاعي خاص بها، حتى لا نكون مرة أخرى خرافًا تُساق إلى المذبح"، وفقًا لما نقلته الصحيفة الفرنسية.

بحسب "لومانيتيه"، لعب شمعون بيريس، الذي صار أيقونة لمعسكر السلام منذ اتفاقيات أوسلو 1994، دورًا مهمًا في البرنامج النووي الإسرائيلي.

ولم يتردد بيريس في رسم مقارنة صادمة بين الرايخ الثالث وإيران، واصفًا إيران بأنها "أخطر دولة في العالم؛ لأن الملالي يعتقدون أنهم متفوقون، تمامًا كما اعتقد هتلر أن العرق الآري متفوق"، ما يكشف كيف استُخدمت المقارنات التاريخية مع النازية لتبرير التسلح النووي الإسرائيلي.

إنفاق ضخم

تشير الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (آيكان)، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، إلى أن "إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة تقارب المئة من الأسلحة النووية".

وبحسب تقرير المنظمة الأخير، أنفقت تل أبيب أكثر من مليار دولار العام الماضي على قواتها النووية، بينما تواصل إيران، التي صادقت على معاهدة عدم الانتشار النووي عام 1970، الإخلال بالتزامات الشفافية.

تواصل إسرائيل اتباع سياسة الغموض، إذ لم تعترف قط بوجود ترسانة نووية مستقلة، وتمنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إجراء تفتيشات في منشآتها، كما تذكر "لومانيتيه".

اعتراف أولمرت

تشير "لومانيتيه" إلى أن التقني الإسرائيلي مردخاي فعنونو دفع ثمنًا باهظًا لكسر هذا التكتم، إذ تعرض لعملية اختطاف مثيرة من قبل الموساد في روما عام 1986، وحُكم عليه عام 1988 بالسجن 18 عامًا لكشفه تفاصيل البرنامج النووي للصحافة البريطانية.

وتوضح الصحيفة الفرنسية أنه بالرغم من التكتم الشديد، وقعت عدة زلات لسان كشفت السر النووي الإسرائيلي؛ إذ ارتكب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت، في ديسمبر 2006، زلة مدوية خلال زيارته لألمانيا، حين قال ردًّا على سؤال حول البرنامج الإيراني: "إيران هددت بمحو إسرائيل من الخريطة، هل يمكنكم القول إن هذا تهديد مماثل، عندما تسعى للحصول على السلاح النووي، لتهديد دول مثل فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا؟ إسرائيل لا تهدد أي دولة بأي شيء ولم تفعل ذلك قط"، بهذا التصريح، اعترف أولمرت ضمنيًا بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، وضعها في نفس فئة القوى النووية المعترف بها دوليًا، وهو ما كان بمثابة كشف غير مقصود لسر الدولة الأكبر.

كان وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس قد كشف السر قبل أسبوع من تصريح أولمرت، حين أوضح أن "إيران محاطة بقوى نووية: باكستان من الشرق، وروسيا من الشمال، وإسرائيل من الغرب"، وفقًا لما رصدته "لومانيتيه" في ذلك الوقت.

عالم فوضوي وتآكل القانون الدولي

تشير "لومانيتيه" إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مثل جميع أسلافه، لن يطالب إسرائيل بالتوقيع على معاهدة عدم الانتشار النووي، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى مع روسيا عام 2019، مما فتح الباب أمام عالم فوضوي يُداس فيه القانون الدولي، حسب تعبير الصحيفة.

وترى منظمة "آيكان" أن الحرب المستمرة "تُبرهن مرة أخرى أن منطق الردع لا يحمي الأراضي الوطنية بل يدعو إلى الحرب".