نفّذت إسرائيل والولايات المتحدة ما يمكن وصفه بـ"الخدعة الكبرى"، التي جعلت إيران تستشعر وهم الأمان، بينما كانت العيون تتربص بمنشآتها العسكرية والنووية وقادتها وعلمائها.
ووفقًا لما كشفه مسؤول إسرائيلي بارز لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن حملة التضليل هذه لم تكن مجرد مناورات إعلامية، بل كانت عملية استراتيجية ذات أبعاد متعددة، شارك فيها أعلى مستويات القيادة، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
خدعة متقنة
بحسب ما نقلته "تايمز أوف إسرائيل"، فقد صرّح مسؤول إسرائيلي بأن تل أبيب وواشنطن أطلقتا في الأيام الأخيرة حملة تضليل إعلامية معقدة الأوجه، هدفها الرئيسي إقناع إيران بأن ضربة عسكرية على منشآتها النووية ليست وشيكة.
وأكد المصدر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان مشاركًا فعّالًا في هذه الخطة، وكان على علم كامل بالعملية منذ أن قرر نتنياهو المضي قُدمًا في تنفيذ الضربة يوم الاثنين الماضي، وفي اليوم نفسه، أجرى (ترامب ونتنياهو) مكالمة هاتفية استمرت 40 دقيقة، أحيطت بتسريبات إعلامية مضللة.
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن "مسؤولين مجهولين" أن ترامب طالب نتنياهو بحذف الخيار العسكري من أجندته، طالما المفاوضات النووية لا تزال مستمرة، لكن هذا الحديث، كما أكد المسؤول الإسرائيلي، كان جزءًا من خطة التضليل، ولا أساس له من الصحة.
غزة غطاء سياسي
وفي سياق متصل، أعلن نتنياهو في اليوم التالي، عبر بيان مصوّر، عن "تقدم ملحوظ" في مفاوضات تبادل المحتجزين مع حماس، وهو ما ردده أيضًا وزير الخارجية جدعون ساعر في بيان مشترك مع نظيره الزامبي.
وبحسب "تايمز أوف إسرائيل"، لم يكن هناك أي تقدم ملموس في هذا الملف، ونقل التقرير عن مسؤول عربي مطلع على مجريات المفاوضات أن هذا التفاؤل العلني كان يهدف إلى التأثير على المشرعين المتشددين داخل الائتلاف الحكومي، وربما ثنيهم عن التصويت لحلّه، لكن، كما اتضح لاحقًا، كانت هذه التصريحات جزءًا من الخطة العامة لصرف أنظار إيران عن الضربة الوشيكة.
تسويق مزدوج للتمويه
ورغم انشغال إسرائيل العلني بقضية المحتجزين، فقد حرصت على إبقاء ملف إيران النووي حاضرًا في الصورة، دون أن يبدو كأولوية، وضمن هذا السياق، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ورئيس الموساد ديفيد برنياع سيتوجهان إلى واشنطن لإجراء محادثات مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، قبيل جولة جديدة من الحوار بين طهران وواشنطن.
الهدف المعلن من الرحلة هو "توضيح موقف إسرائيل"، لكن صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أشارت إلى أن مكتب نتنياهو لم يُجب عن سؤال مباشر بخصوص مكان اللقاء أو تفاصيله، ما يرجّح أنه لم يكن مُخططًا له أصلًا.
تمثيل محكم
على كل الجبهات، سعت إسرائيل إلى إعطاء الانطباع بأن الحياة تسير بشكل طبيعي، فأصدر مكتب نتنياهو بيانًا يؤكد تمسكه بعطلته الأسبوعية شمال البلاد، رغم تصاعد التوترات الإقليمية، كما استمرت الاستعدادات لحفل زفاف نجله أفنير، المقرر الأسبوع التالي.
وحتى مساء الخميس، كانت الشرطة تنصب الحواجز والأسلاك الشائكة حول قاعة الحفلات الراقية "مزرعة رونيت" في كيبوتس ياكوم شمال تل أبيب، ما عزّز الاعتقاد العام بعدم وجود أي نية لعمل عسكري، لكن في ضوء التطورات، تأكد أن الحفل سيؤجّل.
ترامب يشارك
أكد المسؤول الإسرائيلي أن ترامب كان "لاعبًا أساسيًا" في هذه الحملة، قائلًا: "لقد لعب اللعبة معنا.. كان هناك تنسيق كامل".
في المقابل، أدلى ترامب بتصريحات علنية يوم الخميس قال فيها إن ضربة إسرائيلية للمواقع النووية الإيرانية "قد تحدث بسهولة"، لكنه نصح بعدم اللجوء إلى هذا الخيار، ملمّحًا إلى أن التوصل لاتفاق مع إيران لا يزال "محتملًا" إن تخلّت طهران عن طموحاتها النووية.
أما السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، فأكد في مقابلة أن شنّ إسرائيل لهجوم دون ضوء أخضر من واشنطن أمر غير مرجّح.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل إلى التضليل الاستراتيجي، ففي عملية "الرصاص المصبوب" في غزة عام 2008، ادّعى مكتب رئيس الوزراء آنذاك، إيهود أولمرت، أن اجتماع مجلس الوزراء ناقش ملف "الجهاد العالمي"، بينما كان الاجتماع في الواقع مخصصًا للتحضير للهجوم على غزة.
وقتها فتحت إسرائيل المعابر مع غزة وأعلنت عن اجتماعات إضافية، قبل أن تشنّ هجومًا مفاجئًا أدى في يومه الأول إلى مقتل أكثر من مئتي شخص، معظمهم من عناصر شرطة حماس.