بينما تثير فضائح الفساد التي تهزُّ الحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا مشكلات لرئيس الوزراء بيدرو سانشيز، دفعت حزب "فوكس/ VOX" اليميني المتطرف في البلاد للاحتفال.
و"فوكس" هو حزب سياسي إسباني يميني محافظ، تأسس في عام 2013، يتبنى أيديولوجية وطنية محافظة، ويقوده سانتياجو أباسكال، ويُعرف بمواقفه اليمينية المتشددة، بما في ذلك العداء للمهاجرين والمسلمين، والمناهضة للإجهاض، ودعم مصارعة الثيران، وأيضًا يدافع الحزب عن الهوية الوطنية والتقاليد والثقافة الإسبانية، ويعتبرها مهددة من قبل بعض القوى السياسية والإيديولوجيات الأخرى.
وأعلنت "فوكس" المجموعة القومية المتطرفة -التي تشن حملات على مبدأ أن النظام الديمقراطي في إسبانيا فاسد- أنها حصلت على استنتاجات من تقارير إعلامية تكشف أن محققي الجريمة المنظمة لديهم أدلة تربط ثالث أعلى عضو في الحزب الاشتراكي (سانتوس سيردان) بتلقي رشاوي.
ومع صعود الأحزاب اليمينية في الانتخابات الأوروبية -من رومانيا إلى البرتغال وبولندا- ظلّ حزب "فوكس" يصعد باستمرار في استطلاعات الرأي الإسبانية منذ الخريف الماضي، مستقطبًا دعمًا خاصًا بين الناخبين المحتملين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و44 عامًا، وفقًا للنسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو".
وهكذا، انتهز الحزب اليميني الصاعد الفرصة لمهاجمة سانشيز واشتراكييه.
فساد سيردان
استقال الرجل الثالث في الحزب، سانتوس سيردان، أمس الخميس، من منصب أمين التنظيم في الحزب بسبب ما تردد عن تورطه في فضيحة فساد، كما أعلن أنه سيتخلى عن مقعده في البرلمان. ووفقًا لتقرير وحدة الشرطة المختصة بجرائم الفساد، تردد أن سيردان تلقى رشاوي مقابل منح عقود حكومية، لكن السياسي البالغ من العمر 56 عامًا أصر على براءته.
وكان سانشيز طلب الصفح من مواطنيه بعد الكشف عن اتهامات الفساد، وقال للصحفيين في مدريد، وقد بدت عليه الصدمة بشكل واضح: "أعتذر للمواطنين"، معترفًا بأن المعلومات الجديدة التي تم الكشف عنها أثارت فيه "غضبًا عارمًا وحزنًا عميقًا".
وطالت العديد من فضائح الفساد حكومة الأقلية اليسارية في إسبانيا، التي تتولى السلطة منذ سبع سنوات، ومن بين الذين يخضعون للتحقيق، وزير النقل السابق خوسيه لويس أبالوس، وكذلك زوجة سانشيز بيجونيا، وشقيقه ديفيد سانشيز.
اتهامات بالفساد
في مقطع فيديو، ظهر زعيم حزب "فوكس" سانتياجو أباسكال، ليُهاجم حزب سانشيز قائلًا: "أمضيت السنوات السبع الماضية في التنديد بهذه العصابة من المجرمين".
وأضاف: "فعلت ذلك وحدي، بينما أبرم آخرون صفقات مع الحزب الاشتراكي في بروكسل"، في هجوم لاذع على حزب "الشعب" الإسباني اليميني الوسطي ومجموعته الأم في الاتحاد الأوروبي "حزب الشعب الأوروبي".
كما طالب أباسكال، الذي ينتقد "حزب الشعب الأوروبي" بشكل روتيني بسبب التصويت مع مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي، حزب "الشعب" في إسبانيا بفرض تصويت بسحب الثقة في البرلمان لإسقاط سانشيز.
وقال: "الحكومة مستنقع فساد، مستنقع كريه الرائحة، عصابة مافيا، عصابة إجرامية لا وجود لها إلا لإثراء فئة قليلة من الناس وترسيخ سيطرتها على السلطة".
وأضاف: "أدعو جميع المشرعين المحترمين، كل من ليس فاسدًا، إلى دعم هذا الاقتراح".
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن مطالب "أباسكال" وضعت حزب الشعب في موقف حر، إذ يدرك حزب المعارضة الرئيسي أن التصويت بحجب الثقة عن سانشيز سيكون محكومًا عليه بالفشل، لأنه يتطلب أغلبية المشرعين لدعم مرشح بديل لمنصب رئيس الوزراء.
أيضًا، لن يحتاج زعيم يمين الوسط ألبرتو نونيز فييجو، إلى دعم حزب "فوكس" فحسب، بل أيضًا إلى دعم الأحزاب الانفصالية والإقليمية التي قالت أمس الخميس إنها لا ترغب في تسليمه الحكومة.
ونقلت الصحيفة عن الأمين العام للاتحاد الكتالوني جوردي تورول، في إشارة إلى حملة الضغط التي شنها الحزب المحافظ ضد الاعتراف باللغة الكتالونية لغة رسمية في الاتحاد الأوروبي: "من الوهم أن يقترح أي شخص أننا يمكن أن ندعم تصويت حجب الثقة الذي يصب في صالح حزب الشعب بالنظر إلى ما فعله هذا الحزب بالكاتالونية في أوروبا".
وأكد: "لا أستطيع أن أتخيل التعاون مع هؤلاء الأشخاص على الإطلاق".
استفادة كبيرة
لفت التقرير إلى أن رفض حزب "الشعب" تقديم اقتراح محكوم عليه بالفشل ضد سانشيز يسمح لأباسكال، الذي هو أيضًا رئيس حزب "الوطنيين" اليميني المتطرف على مستوى الاتحاد الأوروبي، بالإيحاء بأن المجموعات السياسية الرئيسية في إسبانيا تتواطأ مع بعضها البعض.
ونقلت الصحيفة عن بابلو سيمون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كارلوس الثالث في مدريد، توقعاته بأن يغتنم حزب أباسكال -اليميني المتطرف- هذه الفرصة ليؤكد أن "حزب الشعب والحزب الاشتراكي هما ركيزتان أساسيتان لنظام واحد فاسد في جوهره".
وقال سيمون: "رأينا الحزب يستفيد استفادةً كبيرةً من حجة فقدان المؤسسة السياسية مصداقيتها".
وأضاف: "في أعقاب الفيضانات المميتة في فالنسيا، ارتفع حزب فوكس في استطلاعات الرأي بحجة أن الحكومة الإقليمية التي يسيطر عليها الحزب الشعبي، والحكومة الوطنية الاشتراكية، لم تكن كفؤةً بما يكفي للتعامل مع الأزمة".
وأشار سيمون إلى أن الدراما السياسية الحالية في إسبانيا "تستند فقط إلى تقرير تحقيق أولي من وحدة العمليات المركزية للحرس المدني النخبوية"، وقال إن فضائح أكثر إشكالية "من المرجح أن تظهر على السطح في الأشهر المقبلة" وتقوض الحكومة بشكل أكبر.
وأضاف: "اعتذار سانشيز العلني لا يحل هذه المشكلة، ولن يسمح له بالتأكيد بفصل حكومته عن مزاعم الفساد".
وأكد: "قد يُقرّب هذا نظريًا فيجو من تولي السلطة، ولكنه يُقوّي أيضًا اليمين المتطرف، ويزيد من احتمالية اعتماد حزب الشعب على حزب فوكس لتشكيل حكومة في نهاية المطاف".