في زمن أصبحت فيه الرواية شريكًا أساسيًا لصناعة الدراما، تبرز بعض النصوص الأدبية بقوة تجعلها تتخطى حدود الورق لتطالب بالحياة على الشاشة، روايات تحمل بين سطورها شخصيات آسرة، وحبكات مشحونة بالتفاصيل، وأجواء درامية تشبه ما نشاهده في أعظم الأعمال البصرية، من بين هذه الأعمال، تبرز روايتا "بنات الباشا" و"دم على نهد"، اللتان استوقفتا الكاتب والسيناريست محمد هشام عبية، ليقرر أن يمنحهما حياة جديدة بلغة السينما والتلفزيون، مستندًا إلى شغفه بالقصص التي لا تُقرأ فقط، بل تُشاهد وتُعاش.
ثمة دوافع وراء حماس محمد هشام عبية لتحويل راوية "بنات الباشا" إلى عمل سينمائي يحمل نفس العنوان، التي يرجعها إلى قوة شخصياتها وقصة الراوية، إذ يقول لموقع "القاهرة الإخبارية": "هذه الراوية التي صدرت عام 2017 أثارت انتباهي منذ اللحظة الأولى التي قرأتها فيها، بما تحتويه من رسم دقيق وقوي جدًا للشخصيات، خاصة النسائية منها، داخل سياق اجتماعي محلي خارج القاهرة، وتحديدًا في طنطا".
ويؤكد أن التناول والرؤية المختلفة تمنح الرواية اختلافًا وجاذبية، إذ يعبر عن ذلك بقوله: "التناول المختلف للشخصيات النسائية، وتحليلها بشكل فريد داخل بيئة محافظة، منح الرواية جاذبية كبيرة لتحويلها إلى عمل درامي، وأرى أنها تصلح تمامًا كفيلم أو مسلسل، بسبب قوة البناء الدرامي للشخصيات، والعمق الاجتماعي الذي تطرحه الرواية بشكل غير مباشر".
فيلم "بنات الباشا" المأخوذ عن رواية لنورا ناجي، وسيناريو وحوار محمد هشام عبية وإخراج ماندو العدل، يناقش عددًا من قضايا المرأة ومعاناتها بشكل اجتماعي، ويشارك زينة بطولة العمل ناهد السباعي، صابرين، أحمد مجدي، مريم الخشت.
دم على نهد
لم يكتفِ "عبية" بهذه الرواية ولكن حوّل راوية دم على نهد إلى عمل تلفزيوني ليقول عن ذلك: "أما رواية "دم على نهد" فهي حالة مختلفة وخاصة جدًا بالنسبة لي، لأنها رواية أكتبها بالمشاركة مع المؤلف وائل حمدي، وعملنا عليها على مدار أربع سنوات، وبدأنا كتابتها، ثم توقفت لفترة، ثم استكملت تدريجيًا".
ويضيف: "هذه الرواية تحكي قصة مشوقة للغاية عن علاقة بين قاتل محترف وصحفية في زمن ليس الزمن الحالي على خلفية اجتماعية وسياسية غنية جدًا، والشخصيات فيها مركبة وقوية، والطرح فيها جريء ومختلف، وهذا ما جعلها مناسبة للغاية لمسلسل درامي مكثف".
رؤيته للأعمال
هناك فلسفة خاصة يتعامل بها عبية في تحويل روايته ويرى أن هناك حتمية لتحويل الأعمال الروائية المؤثرة إلى أعمال فنية ليعبر عن ذلك بقوله: "أشعر أن من واجب كاتب السيناريو حين يجد رواية جيدة أن يسعى لتحويلها إلى عمل فني، لأن الروايات القوية لا يجب أن تظل حبيسة الصفحات، بل يمكن أن تُقدم للناس بصريًا، وتصل لجمهور أوسع، وتمنح القصة حياة جديدة عبر الشاشة".
وعن طريقته في التعامل مع الروايات التي يراها قابلة للتحويل إلى أعمال درامية، يوضح عبية: "أنا دائمًا أبدأ بقراءة الرواية كقارئ أولًا، وليس ككاتب سيناريو. لأنني لو قرأتها منذ البداية بعين السيناريست، سأفقد متعة القراءة، وإذا فقدت متعة القراءة لن أتمكن من التقاط النقطة التي من خلالها أستطيع تحويل الرواية إلى سيناريو. لكن عندما يشتبك النص معي وأشعر بجاذبية تجاهه أعود لقراءته مرة ثانية بعين كاتب السيناريو".
ويضيف: "مع مرور الوقت وتراكم الخبرات، أصبحت ألاحظ إمكانيات التحويل من القراءة الأولى، حتى وأنا أقرأ للاستمتاع فقط، لكن التحدي الحقيقي الذي أواجهه ليس فقط في اختيار النص، بل في كيفية التعامل معه عند تحويله".
رغم الحرية التي يتمتع بها المؤلف عند عملية التحويل ولكنه يرى أن هناك تحديًا رئيسيًا، ويقول عنه: "في كثير من الأحيان، يكون من حق كاتب السيناريو أن يفعل ما يشاء بالنص، لكن التحدي الأكبر الحفاظ على الأجواء العامة للرواية والفكرة الأساسية التي وصلت إليّ، من حقي بالطبع أن أحذف شخصيات أو أضيف أخرى، أو أعيد ترتيب الأحداث بما يخدم العمل البصري، لكن دون أن أخل بجوهر الرواية وروحها".