الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من المواجهة إلى التهدئة.. كيف توشك الحرب التجارية على الانتهاء بلا رابح؟

  • مشاركة :
post-title
نائب رئيس مجلس الدولة الصيني هي ليفينج ووزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

رغم توصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق مبدئي بعد يومين من المفاوضات المتوترة في لندن، لإنهاء الصراع التجاري المتصاعد بينهما، وإزالة الإجراءات الضارة المتبادلة، يرى محللون أن هذا الاتفاق يعيد العلاقات إلى نقطة البداية دون تحقيق مكاسب جوهرية لأي من الطرفين.

تنازلات متبادلة

وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، سيؤدي الاتفاق الجديد -الذي تم التوصل إليه في الساعات الأولى من أمس الأربعاء- إلى تراجع الدولتين عن السياسات العدوانية التي اعتمدتاها منذ مايو الماضي، إذ ستخفف الصين القيود على صادرات المعادن النادرة التي هددت بشل مجموعة من الشركات المصنعة الأمريكية، كما ستوفر "المغناطيس الكامل، وأي معادن نادرة ضرورية، مقدمًا" حسب تعبير الرئيس دونالد ترامب.

في المقابل، ستتراجع الولايات المتحدة عن القيود الجديدة التي وضعتها على صادراتها من التكنولوجيا والمنتجات، بما في ذلك العناصر الحيوية التي تستخدمها الصين لتطوير الرقائق المتقدمة ومحركات الطائرات النفاثة.

كما ستلغي واشنطن تهديداتها بإلغاء التأشيرات للطلاب الصينيين في الولايات المتحدة، والذين وصفهم ترامب بأنهم "كانوا دائمًا أمرًا جيدًا" بالنسبة له.

مسار تفاوضي متوتر

كشفت مصادر مطلعة على الاجتماعات لصحيفة "نيويورك تايمز" أن المناقشات في لندن امتدت لأكثر من يومين، وأصبحت متوترة بشكل متكرر، وبدت المحادثات في لحظات مختلفة وكأنها قد تنهار تمامًا، ما يعكس نقص الثقة بين الحكومتين.

وشارك في المفاوضات وزير التجارة هوارد لوتنيك، الذي أوضح أن الهدف الأساسي لترامب تجاه الصين هو "تقليل العجز التجاري وزيادة التجارة".

وقال لوتنيك: "لكن أولًا كان علينا إزالة السلبية، والآن يمكننا المضي قدمًا لمحاولة القيام بتجارة إيجابية ومتنامية ومفيدة لكل من الصين والولايات المتحدة".

أعلن ترامب، على وسائل التواصل الاجتماعي، أن "الصفقة مع الصين تمت"، وأن "العلاقة ممتازة"، مع إقراره بأن الاتفاق لا يزال خاضعًا للموافقة النهائية منه ومن نظيره الصيني شي جين بينج.

ومن الجانب الصيني، قال ليو بينجيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، إن جوهر العلاقات بين البلدين يكمن في المنفعة المتبادلة والتعاون، مضيفًا: "لا يوجد رابحون في الحروب التجارية، والصين لا تسعى للصراع لكنها لن تخضع للتخويف".

انتقادات للحرب التجارية

وجَّه العديد من المحللين والخبراء انتقادات حادة للتكتيكات التجارية التي اتبعتها إدارة ترامب، معتبرين أن الاتفاق الجديد يثبت عدم فعالية الحرب التجارية.

وعلق مايرون بريليانت، المستشار الأول في مجموعة DGA-Albright Stonebridge والنائب السابق لرئيس غرف التجارة الأمريكية، قائلًا: "يبدو أننا نتفاوض في دوائر مفرغة، تصعِّد ثم تهدئ، وفي نهاية المطاف لسنا أبعد من حيث بدأنا".

كما تساءلت فيرونيك دي روجي، الباحثة الأولى في مركز ميركاتوس، وهو مؤسسة فكرية ليبرالية: "ما الذي نحصل عليه بالضبط والذي لم نكن نحصل عليه من قبل؟ هذه الصفقة تشير إلى عدم وجود خطة حقيقية".

وذكر البنك الدولي، في تقرير هذا الأسبوع، أن التعريفات الجمركية الأمريكية ستمهد الطريق لأضعف عقد من النمو العالمي منذ الستينيات.

الصين تثبت قوتها

أشار المحللون والخبراء للصحيفة الأمريكية إلى أن أحداث الأسابيع الأخيرة أظهرت أن إدارة ترامب بالغت في لعب أوراقها ضد الصين، إذ إن الولايات المتحدة لديها حاجة فورية على مستوى الاقتصاد بأكمله للمعادن النادرة والمغناطيس التي تنتجها الصين، والقيود الصينية على هذه الصادرات أجبرت شركات صناعة السيارات وغيرها من الصناعات على الضغط على البيت الأبيض للحصول على إعفاءات، وهددت في النهاية بنفاد مخزونات الأجهزة العسكرية الأمريكية.

أوضحت إيلاريا مازوكو، الزميلة الأولى في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن التهديدات الجمركية والسياسات الأخرى كانت مبنية على نظرية في واشنطن مفادها أن "الصين ستستسلم تحت الضغط بسرعة كبيرة جزئيًا لأن اقتصادها القائم على التصدير كان يظهر علامات ضعف".

وأضافت: "أعتقد أن ما أثبتته الصين هو أنها في الواقع في موقف قوي جدًا ويمكنها تحمل الكثير من الألم، وربما في الواقع أكثر من الولايات المتحدة"، كما أظهرت الصين قدرتها على استخدام ضوابط التصدير لإلحاق الألم بالولايات المتحدة بطريقة لم تطرحها من قبل.

وأوضح جين كانرونج، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة رينمين في بكين، لـ"نيويورك تايمز"، الأسبوع الماضي، أن المعادن النادرة كانت "ورقة رابحة في يد الصين"، مضيفًا: "يجب على ترامب أن يفهم أن الضغط والتهديدات ليست بالتأكيد الطريقة الصحيحة للتعامل مع الصين".

عواقب طويلة المدى

وقال فيليب لاك، مدير برنامج الاقتصاد في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في تحليل حديث له، إن القيود الأمريكية على صادرات الإيثان المتجهة إلى الصين أتت بنتائج عكسية بشكل خاص، إذ أجبرت شركات الطاقة الأمريكية الكبرى على وقف مليارات الدولارات من الصادرات المخطط لها.

وبقطع الإيثان، يمكن للمصانع الصينية ببساطة حرق أنواع وقود أخرى يمكنها الحصول عليها من أماكن أخرى، والتي تكلف أكثر لكنها تمنع أي انقطاع.

وكتب لاك: "هذه الضوابط تفشل في تجاوز حتى أدنى معايير السلاح الاقتصادي، وإلى جانب إلحاق الضرر بالمنتجين الأمريكيين أكثر من نظرائهم الصينيين، فإنها تقوِّض أجندة الهيمنة الطاقوية الخاصة بالإدارة وترسل إشارة للحلفاء بأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها حتى في أسواق السلع المفترض أنها غير سياسية".

وحذَّرت ويندي كتلر، نائبة رئيس جمعية آسيا والمفاوضة التجارية الأمريكية السابقة، من أن الولايات المتحدة "يبدو أنها دفعت ثمنًا باهظًا" لاستعادة الوصول إلى المعادن والمغناطيس الصينية الحيوية.

وأوضحت أن هذه المسائل "تم إبقاؤها عمدًا خارج طاولة المفاوضات لسنوات؛ نظرًا لإصرار الولايات المتحدة على أن الإجراءات المتعلقة بالأمن القومي غير مناسبة للأخذ والعطاء".

وأضافت أنه "من خلال عكس هذا الموقف الراسخ منذ زمن طويل، فتحت الولايات المتحدة بابًا للصين سيكون من الصعب إغلاقه"، محذِّرة من أن الصين قد تصرُّ الآن على تنازلات متبادلة بشأن ضوابط التصدير في المستقبل، وأن "إطار لندن قد يشير إلى نقطة تحول مهمة في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين".